لم تكن فضيحة التآمر ضد الشعب السوري أكثر وضوحا مما هي عليه الآن بعد الرغبة الاميركية في التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، فقد تأكد لكل من لديه عقل ومنطق أننا إزاء تآمر اميركي وغربي ، مقابل صمت وتخاذل عربي وخليجي على سوريا ودائما لحساب الكيان الصهيوني.
لم تكن حكاية العدوان الاميركي على سوريا سوى محطة من محطات تنفيذ الرغبات الصهيونية فيما يتعلق بالازمة الدائرة في سوريا.
صحيح أن هناك بُعدا يتعلق بهيبة الرئيس الاميركي أوباما وبأحادية الولايات المتحدة المتهاوية بعد أن أطلق الأخير تصريحات تتعلق بالخطوط الحمراء التي لا ينبغي لنظام الرئيس بشار الاسد أن يتجاوزها، لكن البعد الأهم في القضية هو البعد الإسرائيلي، ذلك أن المطلب الأساسي “لاسرائيل” كان ولا يزال التخلص من الأسلحة الكيماوية خشية أن تقع لاحقا بيد “جماعات لا يمكن السيطرة عليها”.!
معلوم أن سياسة الاستنزاف في سوريا كانت ولا تزال السياسة المفضلة للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ، حيث تجري المحاولات لتدمير دولة محورية، ويجري في الآن نفسه استنزاف الجمهورية الاسلامية في ايران وحزب الله وخلق فتنة سنية – شيعية كما نردد دائما، لكن ذلك لا يعني ضمان استمرار الاستنزاف إلى أمد لا نهائي، فالجيش العربي السوري ورغم ما يجري من تآمر داخلي وخارجي على جنوده إلا أنه مازال يتقدم ، ولو بشكل تدريجي بطيء، ويمكن له أن يحسم المعركة في يوم من الأيام، ما يعني بالنسبة لنتنياهو ومناصريه ضرورة التخلص من السلاح الكيماوي، وتاليا الصواريخ بعيدة المدى، وربما المضادة للطيران،وكل ما يهدد امن كيانه.
من هنا، فقد وجد اعداء سوريا في السلاح الكيماوي فرصة لفعل ذلك، ولم يكن هدف الضربة سوى استهداف مخازن السلاح الكيماوي، وبعض الأسلحة الخطيرة الأخرى مثل الصواريخ بعيدة المدى والمضادة للطيران وحين عرضت المبادرة الروسية وجد الصهاينة فيها فرصة أفضل للتخلص من تلك الأسلحة الكيماوية، إذ سيتم ذلك بطريقة أكثر دقة وحرفية عبر مفتشين دوليين، فيما وجد فيها أوباما فرصة للخروج من النفق الذي وضع نفسه فيه في ظل تخوفه من تطور العملية العسكرية الى ما لا تخمد عقباه بالنسبة للاميركيين ، وان يرفض الكونغرس منح الغطاء للضربة في ظل رفض شعبي عارم لها.
لذلك يمكن القول إن ادارة اوباما قد هُزمت بالرعب، متخوفة من تداعيات يصعب التكهن بها في ظل التهديدات الروسية والايرانية الجدية برفض الوصاية الاميركية على النظام العالمي وحرصها الدائم على أمن “اسرائيل” ودعواتهم المتكررة الى خلق تعددية قطبية صارت سمة عامة في المشهد الدولي.
هنا يمكن القول إن ما يحدث من تطورات يشكل صفعة للدول العربية والخليجية الداعمة للجماعات التكفيرية المسلحة ، ومعها تركيا، فهي منحت الغطاء للعدوان ، وكذلك التمويل، لكنها لم تُستشر في شيء قبل قرار إلغاء العدوان أو تأجيله، كما لم تستشر في الاتفاق الجديد، وهو ما ينبغي التوقف عنده أما الجانب الآخر من الفضيحة، فيتمثل في موقف عدد من المسؤولين وبعض الساسة اللبنانيين الذين اعتبروا العدوان الاميركي على سوريا نصرا مؤزرا ، فهل ثمة انحطاط أكثر من هذا الفرح والتهليل والانسجام بينهم وبين اعداء الشعب السوري؟!
^