من الطبيعي أن تنكر الجماعات الارهابية المسلحة استخدام الأسلحة الكيماوية في مجزرة الغوطة فجر أمس الأربعاء والتي ذهب ضحيتها اكثر من 1300 قتيل ، لاسيما بعد حضور فريق التفتيش الدولي بشأن الأسلحة الكيماوية الى دمشق، لكن مشاهد المئات من الضحايا، وكثير منهم من الأطفال تفضح بشاعة الجريمة، وليس من الغريب أن تفعل جبهة النصرةذلك، إن كان بقرار “تنظيم القاعدة” أم بمبادرة خليجية ممن يديرون المعركة على الأرض.
على أن قتل تلك الجحافل من الاطفال يشكل جريمة حرب بامتياز، بصرف النظر عما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت عبر صاروخ كيماوي او غير ذلك من الاسلحة الفتاكة اذ انه من العبث أن يجري التركيز على جرائم الجماعات المسلحة بالكيماوي، كأن قتل الناس بالأسلحة الأخرى هو أمر عادي لا مشكلة فيه.
لم نعد نملك القدرة على عد الجثث، ولم نعد نملك القدرة لنتحمل بشاعة منظر الجريمة التي لم تعد حدثاً عابراً ، بل إن عدد القتلى بازدياد، وأصبح الدم المسفوح يشكل طوفاناً يستعصي على الاستيعاب من قبل أصحاب كاميرات التصوير.
إن المخطط التخريبي لجماعة “الاخوان المسلمين” في مصر أعطت دفعة قوية لطواغيت امراء الخليج لمضاعفة حمم الموت، وشكلت لديهم جرأة غير مسبوقة في الإقدام على استعمال أسلحة كيماوية ضد المدنيين في سوريا التي استطاعت أن تحصد من الأطفال ما لم تحصده الحرب العالمية الأولى والثانية.
إن منظر الأطفال المختنقين يثير في النفس الشفقة والحقد في آن معها ، ويجعلها أقرب الى الذهول والصدمة، ويؤدي الى إثارة كل مظاهر الشفقة ، ويفوق قدرة الأعصاب الانسانية على تحمل المزيد.
لم نتخيل يوما أن تتعرض الامة العربية و الاسلامية الى مثل هذا النوع من الارهاب ولم يخطرببالنا أن يتعرض الشعب السوري إلى حرب إبادة من جماعات تكفيرية تسفك دم الاطفال مقابل اموال تدفع من انظمة خليجية لتدمير سوريا وقتل شعبها .
تلك الأنظمة التي لا تجرؤ على اطلاق طلقة واحدة على طائرة اسرائيلية تضرب في عمق عواصمها، لكنها تتجرأ على استعمال السلاح الكيماوي ضد اطفال سوريا .
إن الجرائم التي ترتكبها الألوية الارهابية بهذا المستوى من الوحشية، كما في الغوطة لا تدع مجالا للشك في أن إمكانية انتصارها بالحكم في سوريا هو أمر مستحيل بكل المقاييس، فاليأس من إمكانية جر سوريا الى منطق الدويلات الطائفية والمذهبية ، هو ما دفعها ربما الى ارتكاب مجزرة الغوطة وتدمير البلد برمته، وإدخاله في حالة من الفوضى بين صفوف المواطنين ، الأمر الذي يجري تشجيعه من بعض الدول الغربية والخليجية لأجل إرهاق النظام ، والذي بات خصما للغرب بشكل واضح، ولعدد من الدول العربية والخليجية التي باتت تعوّل على تكرار النموذج الليبي في سوريا .
ما جرى في الغوطة هو جريمة حرب بامتياز، وهي تأتي لتصفع الداعمين للحوار السياسي بين الاطراف المتنازعة ، وتكشف ممن ألقوا بثقلهم المالي والسياسي وراء الجماعات المسلحة في سوريا.
الشعب السوري يتعرض لمؤامرة مرة جديدة ، وها هي المواقف العربية والخليجية والدولية تصب في معادلة استمرار القتل والعنف والارهاب والاستنزاف الطويل الذي يضع الازمة السورية في طاحونة المصالح الاسرائيلية.
^