قد لا يكون متأخراً القول إن منظومة الاتحاد الاوروبي بحاجة ماسّة الآن، إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الخارجية حول أحداث مفصلية ومتغيرات تتتالى سيرورتها، وتتفاقم تداعياتها، وتجاه منظمات وقوى تكفيرية وأيديولوجية، أثبتت عقمها عملياً في فضاءات الفكر وتدبير الحكم من ناحية، وخصوبتها في إنتاج “تديّن” اخواني هائج منتقم، يٌزكّي التعصب ويولِّد العنف من ناحية أخرى .
لا عيب في إعادة النظر في السياسات والاستراتيجيات، بل من الحكمة عند قادة دول الاتحاد الاوروبي اعادة التأمل في أحوال العالم ومراجعةٌ دورية للخريطة الاستراتيجية والجماعية، وبخاصة أن مشروع “الاتحاد الاوروبي ” متعثر، ومساعي “توحيد” السياسات الخارجية، تجاه قضايا ساخنة راهنة، وصلت بصمت إلى طريق مسدود .
إن الرياح التي تهب في هذه الأزمنة، قويّة ومدمّرة، وتتشابك في مجمل الصراعات الراهنة قوى العقائد والمذاهب والتكفير والاخونة والمصالح والسلاح والمال والنفوذ والمنافسة والإعلام، وتتحرك كل الأطراف بعصبية واندفاع، في ظل حالة قلق على موازين بالغة الدقة والحساسية .
ليس بخافٍ على أحد، أننا الآن أمام “ربيع عربي” تتساقط أوراقه الصفراء على الأرض، “لتُنبت” “خريف ” جديد، لا نعلم مدى طبيعته ومآلاته، كما أن اختيارات بلدان “الربيع العربي” ، صارت بحاجة إلى مراجعة، بعد أن ثبت لها أن مشكلات حياتها وهويتها تحتاج إلى عناصر مختلفة، غير الوعظ والجهاد والوعد بالجنة، فضلاً عن إدراكها صعوبةَ وعسر وتيرة العودة الى القرون الوسطى .
في دروس العلاقات الاوروبية مع حزب الله ما يستحق التوقف للدرس والتحليل، وإعادة النظر بجرأة، خاصة ونحن أمام قرار اوروبي مفاده ادراج “الجناح العسكري” لحزب الله على لائحة ” الارهاب ” الهدف منه أحداث زلزالا ضخما، يسير بخطوط متعرّجة، وأحياناً مباغتة، فيما كان المطلوب من الاتحاد الاوروبي الاتفاق بين اعضائه على وضع استراتيجية للحد من موجات التطرّف والتخفيف من غُلواء التشدّد والانغلاق الذي تتبناه تنظيمات تكفيرية حوّلت الدين إلى أيديولوجيا، وأعطت الأولوية للقتل والارهاب والتخريب على حساب العملية السياسية.
من الضروري والحكمة في آن عند قادة الاتحاد ، مراجعة قرارهم تجاه حزب الله باعتبار المراجعة العاقلة والعارفة، أفضل كثيراً من السير في مدارات مغلقة، وعلى طريقة “اللغز”، لأن السياسة “اللغز” ليست سياسة، أمام أحداث ضخمة ومفصلية في تاريخنا ..
على الأرض، لا شيء سيتغير جوهرياً … حزب الله سيواصل دعمه للشعب السوري في اجتثاث الحركات التكفيرية التي تحاول الالتفاف كالثعبان حول أعناق السوريين وأرزاقهم …
لا يكفي أن ندين القرار الاوروبي فحسب وانما المطلوب وضع قدماً على الطريق القويم من خلال طرح استراتيجية بديلة في كيفية التعامل مع هذا القرار ، بمعنى آخر الاسراع في وضع استراتيجية تنهض على قاعدة الايمان العميق بضرورة تفعيل عناصر القوة والاقتدار عند اللبنانيين ،استراتيجية تجعل من المقاومة قرارا وجوديا وفقا لمقتضيات المصلحة الوطنية والقومية العليا،وذلك كبديل عن حالة الانتظار والترقب التي يعيشها جمهور المقاومة فيما أرضه وحقوقه ومقدساته ما زالت مغتصبة .
القرار الاوروبي في نهاية المطاف، ليست سوى “تفصيل”، ينبغي إدراجه في سياق استراتيجية عدوانية أبعد وأشمل … تريد النيل من منعة لبنان وقوته لمصلحة العدوان الاسرائيلي وبالتالي الرهان الاوروبي على مآلات التطورات في الازمة السورية والتي ستصب باعتقادهم في صالح “المعارضة” .
ان العدوان الاوروبي على لبنان ، يجب أن يكون محفزاً لتطوير مختلف أشكال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال والعدوان والتهويد والمد التكفيري الزاحف للمشرق العربي ، فالمجتمع الدولي الذي اخفقت دبلوماسيته التفاوضية في انتزاع الموافقة الإسرائيلية على انهاء الاحتلال ووقف العدوان و تجميد الاستيطان ومنع التهويد ، عليه أن يدرك أن المقاومة وحدها، هي من سيملي على “إسرائيل” وقف سياسات الاحتلال والعدوان والاستيطان والتوسع،ولا يجوز بحال من الأحوال، أن يركن لبنان إلى مائدة “المفاوضات” التي يجري إعدادها في واشنطن، وأن يلقي بكل أوراقه عليها … فالمعركة مع الاحتلال والعدوان والاستيطان والتكفير ، لها ادواتها وميادينها، التي لا يجوز إسقاط أي منها قبل “المفاوضات” وبعدها.
^