يشكل “اخوان” مصر هذه الأيام مختبراً ساخناً وصاخباً لعودة الصراعات السياسية والحزبية ، بعد الصراع المستجد بين الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية،وصعود دور القوات المسلحة في الحياة العامة، الضامن الاساسي لحرية التعبير بما فيه التظاهر والتحركات السلمية في الشارع ومنع احتمال تحول التجمعات الجماهيرية إلى نزاع أهلي كما تشتهي جماعة “الاخوان المسلمين”!
الصراع الدائر حاليا ليس من قبيل السجال الذهني والفكري، فليس هناك من سجال مجرد في أرض الكنانة منذ عامين على الأقل، إنه صراع سياسي واجتماعي ووجودي يدور في الشارع وفي المؤسسات الرسمية.
لا شك في أن الشرعية الدستورية ركن اساسي من اركان الديمقراطية لكن هذه الشرعية ليست ذات حصانة مطلقة ودائمة . ففي الدول العريقة بالتجربة الديمقراطية حين تنشب أزمة سياسية حادة غير قابلة للحل في اطار المؤسسات البرلمانية والقضائية، فإنه يصار إلى إجراء استفتاء او انتخابات مبكرة كي يقول الناخب كلمته، ويجدد التفويض لاصحاب الكفاءة والثقة.
اما في حالة مصر ومع تطيير “الاخوان” للبرلمان ومع الاستقالات التي شهدها مجلس الشورى، ومع ظهور حركة عصيان مدني في الشارع ومع تمركز السلطات في يد مرسي ، فقد كان من المنطقي إن يصار إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة . وكان بوسع مرسي المناورة بالموافقة على إجراء الانتخابات في موعد مبكر مقابل احتفاظه بمركز الرئاسة . لكنه رفض ذلك، وأنكر وجود ثورة المصريين في الشارع وقد تنازل تنازلاً مهماً ولكن ليس كافياً في اليوم الأخير بالموافقة على تشكيل حكومة جديدة تشرف على انتخابات برلمانية لا رئاسية .
لا يمكن القول إن الفريق اول السيسي قام بانقلاب . اذ لم تستول دبابات الجيش على السلطة ولم تتحرك الويته في ظروف عادية بشهوة السلطة، بل إن ظرفاً استثنائياً ضاغطاً تجلى في نزول ملايين المصريين الى الشوارع هو ما أملى عليه تحركه، كما انه لم يغتصب الحكم بل استند خياره إلى مبدأ دستوري بوضع السلطة بين يدي رئيس المحكمة الدستورية، وهو عدلي منصور الذي سبق أن شارك مرسي بنفسه في اختياره لهذا المنصب قبل فترة وجيزة .
ولكن يبقى ان الدفاع عن مبدأ الشرعية الدستورية مفيد، من خلال الاسراع إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة ، وإعادة النظر في الدستور الذي عاني كثيرا على ايدي جماعة مرسي واتباعه .
لقد أثبت السيسي انه الضامن الحقيقي للسلامة العامة ولاحترام إرادة الشعب وهو يدرك حاليا ان ما من مهرب لوضع شروط المواءمة بين المقتضيات الأمنية الملحة، وبين الحاجة إلى إشاعة انفراج وطني وسياسي يجتذب اليه كافة التيارات الاقومية والعلمانية والإسلامية الى فكرة الدولة الجامعة وفي ذلك درس حرِيٌ ينبغي على المواطن في المشرق العربي الإفادة منه .
^