لن يكون يوم 23 من حزيران مجرد يوم آخر في التقويم اللبناني . لكنه أيضاً لن يكون اليوم الحاسم في تاريخه .
وما يسمى في ثقافة الغير “الظلامية” هو تعبير مجازي، لأن الظلامية ليست مجرد منطقة رمادية بين الأبيض والأسود، إنها نتاج ثقافة تكفيرية تبلورت فيها شخصية الارهاب ومنعت كل وسائل الاعتراف في المجتمع بحق الاختلاف، كما انها تناولت تعاليم الاسلام وتداولها ت بخفة وبمعزل عن سياقاتها الحضارية الأصيلة .
لقد مر لبنان شأن العديد من البلدان العربية بأيام وصفت بأنها فارقة وحاسمة وتشطر التاريخ إلى ما قبلها وما بعدها، لكن ما يميز لبنان عن بقية الدول هو “شخصنة” الصراع من جهة و”أدلجته” من جهة أخرى بحيث يصبح امن الوطن واستقراره أخيراً وليس أولاً، رغم أن الصراعات السياسية في المجتمعات المعافاة بين النظم والمعارضات لها مصبّ واحد هو مصلحة البلاد، لكن حين يتحالف “التكفير” مع استعمال السلاح يصبح هذا الحلف لغير مصلحة الوطن واستقراره والحفاظ على هويته المقاومة .
لم يبق يوم على امتداد السنة في تقويمنا الداخلي ليس مكرّساً لمناسبة، لهذا سيكون 23 حزيران بمثابة “اليوم الكبير” الذي سيظل يتردد على مدار الساعة في مواقع الصحف المحلية والعربية والاجنبية والمواقع الأخبارية ومحطات التلفزة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ، بعد ان قررت قيادة الجيش استجابة لدعوات ما لا يحصى من الاحزاب والقوى الشبابية والهيئات الاجتماعية والتجمعات المهنية، إضافة إلى عدد من المراكز الدينية باستكمال مهمتها في ضرب الاوكار التكفيرية وآخرها في صيدا منعا “لاسرنة” الدولة وتكفيرها وجرها الى التقاتل المذهبي والفتنوي.
في هذا الجو الجياش بالانفعالات الوطنية والالتفاف حول مؤسسة الجيش ، فإن احتمال القبض على احمد الاسير هو الأكثر رجحاناً بتهمة استجرار شبح الفتنة الى الداخل . وعليه فسوف يكون من الرومانسية بمكان تصور أن الأيام المقبلة سوف تقتصر على إطلاق هتافات ورفع يافطات منددة بالاسير فحسب بعد ان تعمقت الفجوة بين الجماعات التكفيرية والشارع على قاعدة رفض كل الحركات والتنظيمات التي تقسم المواطنين على أساس مذهبي ، وتعمد إلى تغيير الهوية الوطنية والمستقرة منذ عقود لدى الدولة والمجتمع، إلى هوية تكفيرية ذات طابع ارهابي تكرسها اصحاب اللحى الظلامية بالقسر، كما تبدّى مؤخراً في مدينة صيدا التي تعيش حالة من الفوضى التي استشرت مؤخرا وبالطبع لن تكون خلاقة على الإطلاق .
نتمنى أن لا تنجرف صيدا وغيرها من المناطق اللبنانية الاخرى إلى دوامة العنف، غير أن التمنيات لا تسعف وحدها في بلوغ المراد، فهناك الآن جنوح نحو خيارات شبه تدميرية ، والعنف اللفظي بات ظاهرة مألوفة .
من المتوقع أن ترتفع الدعوة إلى التهدئة ورفع الغطاء السياسي عن أية ممارسات عنفية محتملة . غير أن ما يستحق أن يشغل البال هو مدى ارتداد التحركات التكفيرية ، على جسم الدولة ومرافقها ومؤسساتها الحيوية وبالذات المؤسسة العسكرية . وهل في الإمكان أن يعمد النظام إلى تحقيق صدمة إيجابية في ما تبقى من وقت بإعفاء الرئيس ميقاتي من تصريف الاعمال ، والدعوة إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني برئاسة الرئيس المكلف تمام سلام تحظى فيه قوى 8 آذار بحضور كبير، تفادياً لتصعيد لا يعرف أحد مسبقاً إلى أين سينتهي؟
^