هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تثبت في كل مرحلة أنها القادرة على تحمّل المسؤولية وبكل جدارة واقتدار، وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 15 حزيران 2013 كان عرساً للديمقراطية وأنموذجاً مميّزاً يستحق التوقف عنده وأخذ الدروس والعبر، أثبت الشعب الإيراني وقيادته الحكيمة والشجاعة قدرة فائقة في قراءة الأحداث والتطورات التي تجري في المنطقة، ولأن الديمقراطية ليست كلاماً إنشائياً في إيران، هذا البلد الحضاري العظيم جمع الفكر والممارسة في توافق تام وأصبح المقرر الأساس في المعادلة الإقليمية واللاعب الذي لا يمكن تجاوزه في المعادلة الدولية.
أثبتت مؤسسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها قادرة على توصيف الواقع واستنباط الحلول وطرق العلاج، نسجت خيوط الديمقراطية وسمحت بالاختلاف في التفاصيل لا في الجوهر.
وحققت إيران برئاسة محمود أحمدي نجاد ما كان مطلوباً تحقيقه وبمستوى أداء رائع وكانت هناك نتائج هامة في الملفات الإقليمية والدولية ومواجهة المشاريع المعادية لأمتنا، وأصبحت إيران قوية وصلبة وشكّلت عمقاً لكل المقاومين في مواجهة قوى الاستكبار العالمي واستطاعت أن تواجه الحصار الاقتصادي الأميركي والغربي عموماً ولم تتنازل عن الأهداف العظيمة التي خطها مفجر الثورة الإمام آية الله الخميني.
ويأتي الرئيس الجديد حسن روحاني ليتابع الطريق، وحسناً فعل عندما اختار المفتاح رمزاً لحملته الانتخابية، وهي رسالة لكل مَن يعنيهم الأمر، بأنه يحمل الأمانة في فترة حساسة وبالغة الأهمية، وليس مفاجئاً ما حصل، حسن روحاني هو ابن شرعي للثورة الإيرانية، انضم الى الإمام الخميني الذي يستعد للعودة الى بلاده واقتلاع نظام الشاه، وهو الذي جال في أروقة الجمهورية الإسلامية في البرلمان والمجالس وملفات الجيش والإعلام والأمن القومي، وجاء انتخابه رئيساً لإيران في ظل أوضاع إقليمية ودولية بالغة التعقيد وأوضاع أمنية وسياسية واقتصادية ليست عادية وذلك بسبب شراسة الهجمة الاستعمارية والمؤامرة الكونية التي تقودها قوى العدوان وتستهدف سوريا ومنظومة المقاومة في أمتنا.
تحدث حسن روحاني عن الأمل وعن فرص جديدة في الساحة الدولية لزيادة قوة إيران وتحصينها وهو الذي يعرف تماماً أن الامتحان لن يتأخر، المهام كبيرة والغيوم تتلبّد في أجواء الإقليم وساعة العمل تدق لاستخدام التفويض الذي منحه الشعب الإيراني العظيم، وأعلنت المؤسسات الإيرانية استعدادها للتعاون مع حكومته في إطار الواجبات والوظائف القانونية المسندة إليها، ومواجهة الاستحقاقات على المستويين الداخلي والخارجي.
أظهرت الانتخابات تعددية المجتمع الإيراني في إطار من الديمقراطية.
ونذكر بأن حسن روحاني هو ممثل المرشد الأعلى السيد علي خامنئي في مجلس الأمن القومي الإيراني وهو في الوقت ذاته عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية التابعة له، وهو أجيز من قبل “مجلس صيانة الدستور” للترشيح، وأثبتت الانتخابات أن هناك حراكاً سياسياً حقيقياً يجري في إيران، وما نتيجة الانتخابات إلاّ أحد مظاهر هذا الحراك.
فاز روحاني في الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، من الجولة الأولى أمام خمسة مرشحين يملك كل منهم ارتباطاً مؤسساتياً وحضوراً سياسياً، ولعبت عدة عوامل في فوزه منها: التموضع الانتخابي المؤاتي الذي مثّل كتلة فضفاضة من الإصلاحيين والوسطيين وخلق حالة استقطابية، وهناك الشعارات الموفقة للحملة الانتخابية وشعارها “التعقل والأمل” والتي أفلحت في مخاطبة أوسع الشرائح الإيرانية واستقطاب أصوات الشباب.
وعد روحاني في حملته الانتخابية بتغيير أسلوب إدارة الملفات الخارجية وتخفيف التوتر مع دول الغرب بما يؤدي الى التخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية، وبذلك أعطى للحوار فرصة، ولكنه لن يحيد عن أهداف إيران الوطنية، ويبدو أن الخاسر الأكبر من فوزه هو الكيان الصهيوني، فهو سيحاول إيضاح حقيقة صورة إيران في المجتمع الدولي، وكذلك فإن إيران التي تقود محوراً إقليمياً له امتداداته في المنطقة، فهي ليست في وارد التخلي عن تحالفاتها، التي تشكّل خط الدفاع الأول عن طهران.
سيتولى الرئيس حسن روحاني مهامه رسمياً في مطلع شهر آب 2013، وإيران الجديدة – القديمة، مازالت تحمل ملفاتها، تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية والملف النووي الإيراني وقضايا الأمة.
محمود صالح