منذ بضعة أيام قام مفتي المملكة العربية السعودية بنشر فتوى “كفرت” إحدى العائلات الروحية اللبنانية الأساسية وهي الطائفة الشيعية، حيث استخدم آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث ليثبت أن الشيعة هم غير مسلمين، بل هم “رفضة مرتدين”. كل ذلك لأن حزب الله الحليف للجمهورية الإسلامية الإيرانية والذي يمثل الأكثرية السياسية ضمن الطائفة الشيعية اللبنانية، قام بالمشاركة في معركة القصير. علماً أن القصير منطقة يمثلون السنة فيها حوالي الثلث فقط وهي تقع في فناء لبنان، وليس في فناء أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولم يكلف نفسه رئيس حزب التوحيد العربي، الوزير السابق وئام وهاب بالإدلاء بأي تصريح عن هذه الفتوى. ولكن في حلقة من حلقات الحوار على إحدى الشاشات اللبنانية، قام المحاور بسؤال الوزير وهاب عن موقفه من هذه الفتوى، فابتسم وقال هازءاً: “هيدا زلمي أخوت ما بعلق عليه”؛ معتبراً أن هكذا كلام يمس طائفة دينية أساسية في لبنان، هو كلام مدسوس فتنوي وتمنى لو حصر المفتي كلامه بحزب الله كتيار سياسي مقاوم، ولم ينحدر إلى هذا الدرك من الجهالة. واستمر الحوار حيث قام الوزير وهاب بتثمين الدور السعودي معتبراً أن أزمة المنطقة لن تحل إلا في إطار التعاون السعودي-الإيراني بالاشتراك مع الولايات المتحدة وروسيا. كما كان دائماً يثمن الدور الثقافي لدولة الكويت والدور الريادي الذي لعبته في نشر التعليم في دول مجلس التعاون، وحقيقة أنها الدولة الخليجية الأولى التي مارست في الخليج فنون المسرح والشعر والأدب والرسم وغيرها. ذلك بالإضافة لاحترامه العميق لقادة دولة الإمارات وإعجابه الشديد بالراحل الشيخ زايد مؤسس الاتحاد. أما انتقاداته على سياسات بعض الدول الخليجية التي بنظره لولا تواجدها ضمن منظومة مجلس التعاون، لا قيمة عربية وإقليمية لها. هنا يقوم معاليه بالسخرية على من يدعوهم بـ”الضيع” (القرى) الخليجية التي اكتشفت النعمة منذ أقل من عشر سنوات وبدأت باستخدام فائض أموالها لصالح المصالح الغربية في بلاد المشرق، تريد تكريس نفسها دولاً إقليمية عظمى تنافس المملكة العربية السعودية وتناطح إيران وروسيا والمقاومة.
ورغم كل تحليلاته وكلامه الإيجابي عن المملكة والكويت والإمارات، ولأنه يناصر قلباً وقالباً المقاومة في لبنان ولأنه يعتبر أن الأحداث في سوريا لم تعد انتفاضة مطلبية بل أصبحت حرباً ضروس يخوضها الغرب والمستعربين في الأرض السورية لخرابها وتركيعها، قامت قيامة الأقلام الخليجية تنهش في شخصه ظناً منهم أنه لقمة سائغة في منسف عربدتهم. أما هو، فقد قرأ مقالاتهم وسمع تعليقاتهم مبتسماً، ولسان حاله يقول: … والقافلة تسير. لم يعلّق ولم يهتم ولم يغضب إقتناعاً منه بقول الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادة بأني كامل.
أما أنا، فاسمحوا لي أن لا أبتسم. فقد كتب الصحفي الكويتي مبارك محمد الهاجري مقالة في صحيفة الرأي الكويتية بعنوان: “وئام وهاب… سكّر تمّك”. ها قد أتانا أحدهم يريد كم أفواهنا لأن حرية الرأي لدينا قد “خدشت” أحاسيسه “الخليجية”، حيث انبرى للدفاع عن المملكة العربية السعودية والعائلة المالكة وتاريخ نجد والحجاز معتبراً أن كل هؤلاء يختصرهم مفتي السعودية وفتواه التكفيرية. وكأنني بشاعر يصف عمق “الشرخ” الأخلاقي بين الوزير وهاب وبين بيئة الكاتب الصحراوية وهو يجول ويصول كفارس يخوض معارك حرب البسوس أو داحس والغبراء؛ وطبعاً باستخدام لغة بيئته “المهذبة والخلوقة”، حيث عنونها بـ”سكّر تمّك”… إبن أصل والله. واستمر الصحفي الكويتي “الخلوق” باستخدام تعابيره “المهذبة” بتوزيع النعوت على من يعتبرهم أعدائه كتعابير “تلفون العملة كلما ألقمته نقوداً معدنية نطق” و”قوات البعث السورية” و”أحزاب إيران الفارسية المأجورة” و”لولا السعودية لكان لبنان في حالة يرثى لها”، إلخ… واختتم بالقول العربي “كل إناء بما فيه ينضح”.
أما إجابتي لهذا “الخلوق إبن الأصل” الذي يعتبر نفسه كويتي، أن الوزير وهاب بقي في وطنه وواجه جميع الاحتلالات التي شهدها لبنان ولم يفر، أما أنت فأين كنت عندما هجم عليك صدّام وانتهك أرضك وعرضك ووطنك، لقد وليت الأدبار. ومن أعاد إليك “شرفك” المتمثل بحرية أرضك وأهلك، أليست “قوات البعث السورية” من ضمن الآلاف من جيوش “الكفار” وبدعم معنوي ولوجستي من “إيران الفارسية”؟ قبل أن تكم أفواه الأحرار، أنفض عنك غبار العار.
هؤلاء الذين تنعتهم بـ”أحزاب إيران الفارسية المأجورة” قد دفعوا الآلاف من الشهداء لتحرير أرضهم من المحتل الغاصب الصهيوني، ماذا دفعت أنت وأمثالك من “الأقلام المناضلة” لتحرير وطنك من المحتل “العربي السني”؟ دفعت دنانير؟ هنا اختلاف اللغة، نحن نتكلم بالشهادة والتضحية والدماء وأنت تقيس النصر والانهزام بالدنانير. هنا تكمن المفارقة الثقافية، نحن نهين الغريم باتهامه بالجبن أو الاستسلام أو التقاعس أو الغباء أو الجهل أو الجنون أو العمالة، حيث نعتبرها إهانات قاسية؛ أما أنت فتعتبر أن الإهانة تكمن في “الأجر المالي”… لكل ثقافته ولكل مقاييسه المستمدة من بيئته وحضارته.
بماذا تهددنا بحيث تجرؤ على التطاول على رجال السياسة اللبنانيين؟ بلقمة عيش شعبنا لديك؟ إنهم لا يعملون لديكم صدقة، بل يعملون بعرق جبينهم. ولو كانوا غير منتجين ولا تستفيد منهم أوطانكم لما أبقيتم عليهم. أما إذا كنت تعتبر نفسك “الزير سالم”، فقتالك الشرس في الدفاع عن وطنك عندما قام جارك العربي بهتك عرضك، تجعل من تطاولك أضحوكة في مجامع الرجال. من أنت وما هي صولاتك وجولاتك في هذا الشرق؟ حربكم كانت من أجل ناقة، وثقافتكم أتت من أقدام الجمال، وعمرانكم علا من نفط أطاح بخيم بيوت شعر الإبل. أما نحن، فمن أرزنا بنى سليمان الحكيم هيكله، وبأرزنا تغزل كليم الله موسى باخضرار عيني زوجته، وتحت ظلال أرزنا أسس فخر الدين أول حرية دينية وتعددية فكرية ضمن الإمبراطورية العثمانية. إنه لبنان الذي لولاه لما عرف هذا الشرق معنى الحضارة. لبنان بالنسبة لك “في حالة يرثى لها” لأنه وطن التعبير الحر وحرية المعتقد والتعددية الدينية والفكرية والثقافية. ولو قمتم بتحويل عشر ما تنفقوه على كمالياتكم إلى فلسطين، لما شهد لبنان وغيره من دول الطوق “ضربة كف”. لا تتطاول على أسيادك الذين انبثقوا من هذا الجبل الأشم، حفروا الصخر وواجهوا العدى من دون نفط ومن دون غرب ومن دون فر. أنتم أهل الكر والفر، نحن في لبنان، لا نعرف إلا الكر… ونعم “كل إناء ينضح بما فيه”.
وفي الختام، آمل من هذا الصحفي “الصنديد” أن يتراجع عن “قلة أخلاقه” كي لا أضطر إلى أن أقول له: قبل أن “تأمر” الأحرار بـ”تسكير تمّهم”، إنظر إلى المرآة وقل لنفسك: “ضب فخاذك”
**