أتحفنا منذ يومين عضو تيار المستقبل وعضو كتلة “لبنان أولاً” النائب محمد كبارة يحيط به كل من زملائه في التيار والكتلة النائبان خالد الضاهر ومعين المرعبي، مدعومين بالجماعة الإسلامية والتيارات السلفية من شيوخ ودعاة ممثلين بسالم الرافعي ونبيل رحيم وكنعان ناجي وحسن الخيال وحسام الصباغ؛ بإعطاء مهلة 48 ساعة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وإنذارهما بالويل والثبور إذا لم “ينظفا” طرابلس من عملاء الأسد “النصيريين”، متهمين قيادة الجيش اللبناني ورئيس الجمهورية بـ”التواطؤ” مع الحلف “الإيراني-السوري” ضد أبناء طرابلس (طبعاً من غير العلويين)؛ وفي المحصلة ضد “سنة” طرابلس.
أما الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي فهما مؤسستان وطنيتان وشرعيتان بامتياز، وأما رئيس الجمهورية فهو الممثل الشرعي للجمهورية اللبنانية. إن الرئيس يمثل الشرعية السياسية والجيش والأمن الداخلي هما الذراعان الشرعيان للسياسات الأمنية والدفاعية للسلطة اللبنانية. وعليه، وحيث أن لبنان هو دولة ديمقراطية، يحق للجميع انتقاد الرئيس والحكومة والقوى العسكرية، أما توجيه “إتهام” باستخدام كلمة “تواطؤ”، فهذا ما لا يحق لأي فرد أو سياسي بهذا التعبير لأنه حسب الدستور والقوانين المحلية والدولية، يحق للسلطة السياسية التحالف مع من تريد من الدول الإقليمية والدولية، ويحق للمعارضة الداخلية أن تنتقد هذا التحالف ولكن لا يحق لها استخدام تعابير “إتهام وتواطؤ”. إن الأحزاب السياسية والمجموعات المدنية التي تتحالف مع قوى إقليمية ودولية من خارج السلطة المركزية لدولتها هي موضع “إتهام بالتواطؤ”؛ هذا هو أول ما تدرسه في مادة “مدخل إلى العلوم السياسية”. وأرجو أن لا يعتبر سياسيينا من أطباء ومهندسين ورجال أعمال ورجال دين أن هذا الكلام وعظ لهم، فنحن نقطة في محيط علومهم وعبقريتهم.
أما بخصوص “المهلة والإنذار”، وإلاّ… وإلاّ ماذا؟ ستهجمون على الجيش كما فعلتم ثلاث مرات في عرسال؟ ستطلقون النار على الجيش كما فعلتم في قصقص وباب التبانة؟ ستكفّرون الجيش كما فعل الداعي الشهال دفاعاً عن قطعة سلاح لأحد مرافقيه؟ ستطلقون النار بوجه قوى الأمن الداخلي كما فعل النائب معين المرعبي؟ ستقومون بأنفسكم بـ”تطهير” طرابلس من “الكفرة النصيريين”؟ ستتجمعون في مهرجانات تدعوا إلى “كف يد الجيش” عن “التعرض” للمسلحين الذين برأيكم “يدافعون” عن “كرامة العمامة”؟ وما هذا الغضب من معارك القصير؟ على أساس أن دعواكم ورسالتكم وهدفكم هو “لبنان أولاً”، هل القصير في لبنان؟ إذا قرر غريمكم اللبناني القتال في القصير، لماذا هذا الصراخ والنعيق والاتهامات والغضب؟ علماً أن القصير ليست لبنانية وأهلها ليسوا لبنانيين كما تدعون. إن غريمكم اللبناني لم يقل “لبنان أولاً”، بل أنتم من تغنيتم بـ”أولوية لبنانيتكم”، فما دخلكم بالقصير وتدخلات إيران والروس فيها؟
يا من تدعون بانتمائكم لـ”لبنان أولاً”، لبنان هو بلبنانييه، لبنان هو بمواطنيته، لبنان هو بالدفاع عن اللبنانيين بوجه أي “غريب” لا يحمل الجنسية اللبنانية؛ لا أن تهددوا وتنذروا الجيش الوطني دفاعاً عن طائفة ما، هذه مذهبية وليست لبنانية. ولا تبدؤوا بالمقارنة هنا، منذ تأسيسكم (بالأمس القريب)، ادعيتم أنكم أنتم اللبنانيين وغيركم ذات أجندة خارجية. هم لم ينفوا ارتباطاتهم الخارجية المبنية على مشروعهم “القومي” المقاوم. أما أنتم، فقد “هريتونا” بلبنانيتكم وأولوية لبنان على الصراع العربي الأسرائيلي، وأولوية السياحة اللبنانية على مقاومة إسرائيل أو تحرير أسير من هنا أو من هناك، وأولوية “سلاح الشرعية” على سلاح المقاومة. أين أنتم الآن من “سلاح الشرعية”؟ أتهددون وتتوعدون الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي ورئيس الجمهورية بإسم المسلحين “المناضلين” في طرابلس وتطالبون بـ”سلاح الشرعية”؟ أين السياحة الآن مع تهديداتكم ووعيدكم؟ أم أن السياحة فداكم في قتالكم المذهبي ومحرومة عليهم في قتالهم ضد إسرائيل؟ كلنا نعرف “لبنانيتكم” أين تبدأ وأين تنتهي، ضمن مذاهبكم. أما تهديد الجيش والأمن الداخلي، فالرجاء العلم أنكم بذلك لا تهدودن مؤسسات يتيمة، بل تهددوننا جميعاً كـ”لبنانيين” بجميع طوائفنا ومذاهبنا وأحزابنا، لأن هذه المؤسسات لا مذاهب فيها، بل هي آباؤنا وإخواننا وأولادنا وأولاد عمومتنا وأهل قرانا ومدننا؛ هم يختصروننا ويمثلوننا جميعاً. وعليه، فإن هذا التهديد والوعيد موجه لنا جميعاً، وأطمئنكم أننا جاهزون للدفاع عن مؤسساتنا التي بها نستظل… نحن لها!
وفي الختام، لم أسمع ردود من الذين يدّعون بأنهم حماة الأرز. ما هو موقفك دكتور جعجع من هذا التهديد؟ وفي احتفال شهداء القوات المقبل، كيف ستبرر لدماء من سقطوا دفاعاً عن “لبنان أولاً” تحالفك مع هؤلاء؟ ما هو موقفك فخامة الرئيس الجميل وموقف الشيخ سامي من هذا الوعيد والتهديد؟ وكيف ستبرران للرئيس الشهيد بشير وللشيخ بيار الشهيد تحالفكم مع هؤلاء؟ وماذا ستقولون للشيخ بيار المؤسس عن موقف “فتى الكتائب” من الذين ينذرون الجيش؟ وما هو موقف الكتائب والقوات الآن من نشر الجيش على الحدود السورية، وكلما قام الجيش بدورية هناك يتعرض لإطلاق النار وعندما يرد على مصادر النيران يصبح عميلاً “فارسياً” ضد أهل السنة والجماعة، وتقوم الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار برعاية ومشاركة مهرجانات تندد بالجيش “العميل” الذي يعتدي على “كرامات” العمائم؟
لقد سقط القناع ورأت الأرزة حقيقة الوجه القبيح. إني أراها تدمع دماً، وأراها تنتفض تريد الخروج من بيارقكم وشعاراتكم الباردة. إني أراها وقد عريتموها، تتوق لاسترجاع خلودها وهي تعدو باتجاه مدافن الشهداء، جميع الشهداء، كي تستلقي بين ظهرانيهم، تطلب الدفء والوفاء… تستغيث بصدق النوايا وبالرجال الرجال.
0