في ظل الانتدابات والاستعمارات دخلت علينا عصابات عنصرية ومارست شتى أنواع الإجرام والإرهاب والقتل والتنكيل والتهجير واغتصاب الأرض والعرض وسلب الهوية. ودوت صرخة الإنسان في أوطاننا وارتفعت السواعد تشير إلى فظائعهم، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
أجابنا الغرب الديمقراطي والإنساني، الغرب الذي يتناطح بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم عامة وفي أوطاننا خاصة؛ أجابنا هذا الغرب أنه لا يستطيع ان يقف بوجههم لأنه هو نفسه أحرقهم ونكل بهم ويشعر بالعار. إذن أعطهم برلين وجوارها كي ترضي ضميرك قلنا له، ولكنهم لا يريدون أجابنا، فهم يسعون إلى أرض الميعاد؛ هذا هو حكم الله قالوا. غريب أمر هذا الغرب “الإنساني”، فقد حكم الديار المقدسة لعقود، لماذا لم يعطهم أرض ميعادهم آنذاك؟ وغريب أمر إلههم الذي لا يفي بوعوده إلى على حساب أرضنا وأعراضنا وهويتنا وتشريد إنساننا والتنكيل بأطفالنا ونسائنا.
ولكننا لم نكن خرفاناً تساق إلى الذبح، فقاتلنا وناضلنا وسالت دماؤنا أنهاراً واحترقت أملاكنا وضاعت أموالنا وتدمرت بلداننا كي نعيد الأرض إلى أصحابها وكي نقتلع هذا الورم السرطاني من بين ظهرانينا، والبعض استمر والبعض استسلم والبعض تراجع؛ ولكن فلسطين بقيت في ضمائرنا وقلوبنا وتاريخ دماء شهدائنا وذكرى الدمار في بلادنا.
أما أن تصل الأمور إلى تصريح رئيس السلطة الفلسطينية بأنهم متمسكون بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس “الشرقية”، فهذا ما لا ناقة لنا بتحمله. تنازلتم عن تحرير كامل التراب الفلسطيني، ثم رضيتم بالاتفاق مع من اغتصب الأرض والعرض، ثم تحالفتم مع من أعطى أرضكم لمغتصبها وشرعها دولياً ضد من دفع الغالي والنفيس لتحريركم، وها أنتم “تناضلون” من أجل دويلة مستقلة عاصمتها نصف مدينة؛ علماً أن القدس الشريف بقيت موحدة على مر التاريخ بوجه كل ما عصف بها من حروب واحتلالات واغتصابات.
ولو كنتم فلسطينيين ونحن لسنا فلسطنيين، ولكن القدس لنا وفلسطين لنا، ولن نسكت على تخاذلكم. هي للمشرق العربي ولمصر كذلك وليست لكم وحدكم. أما أن تتحالفوا مع الغرب والخليج ونحن من دفع الدماء والأوطان والمال والاستقرار من أجل فلسطين، فاعلموا أننا لم ولن ننسى تاريخنا ولم ولن ننسى ما حل بأوطاننا من أجل فلسطين، ولم ولن ننسى ما حل بشبابنا من أجل فلسطين، ولم ولن ننسى ما حل باقتصادنا من أجل فلسطين، ولم ولن ننسى ما حل بقادتنا وزعمائنا من أجل فلسطين.
وعليه، وثمناً لكل هذا التاريخ الذي سطره آباءنا وسطرناه نحن ويسطره أبناءنا الآن وسيسطره أحفادنا، وحفاظاً على كرامة دماء شهدائنا، لن نرضى إلا بفلسطين سيدة حرة مستقلة عربية و”سلطتها” على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.
^