ما انفك رجال السياسة في لبنان يمطروننا بوابل من مقترحات قوانين الانتخابات بدأ من تعديل قانون الستين مروراً بالدوائر الصغرى والأرثوذكسي وصولاً إلى المختلط؛ وجميعها تدعي التمثيل الصحيح. أما المفارقة فهي أن الجميع يعلن أن النظام النسبي هو الأنسب والأكثر تمثيلاً… ولكن!!! كما لفتتني الأدبيات التي دخلت إلى اللغة السياسية منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبروز كتلتين سياسيتين كبيرتين في لبنان انطلقتا من مظاهرتين مليونيتين في الثامن والرابع عشر من آذار عام 2005؛ ألا وهي استبدال تعبير العيش المشترك المسلم-المسيحي إلى العيش المشترك الشيعي-السني-الدرزي-العلوي-المسيحي. لقد تم تقسيم أحد جناحي “العيش المشترك” إلى مذاهب بينما بقي التعاطي مع الجناح الآخر كوحدة اجتماعية وسياسية. والمفارقة هي أن هذا التعدد في التسمية لم يعكس تعدداً سياسياً، أي أن كل من المذاهب الإسلامية تشهد أحادية أو شبه أحادية التمثيل السياسي، بينما المقاربة الوحدوية للمجتمعات المسيحية تعكس تعدداً سياسياً وقيادياً يمثل بامتياز حضارة مدنية ديمقراطية.
أما العنوانين الأبرزين اللذين يتبناهما جميع الفرقاء السياسيين فهما: المناصفة الإسلامية-المسيحية الحقيقية ومواجهة الفتنة السنية-الشيعية. أما النسبية، فالجميع يعتبرها الأفضل ولكن الفريق المشكك بنتائجها السياسية يتحجج بالسلاح للوقوف بوجهها. كما أن النظام الأكثري على صعيد القضاء، فقد اعترف الجميع بعدم عدالته، إلا الفريق الوحيد المستفيد منه. وبالنسبة للأرثوذكسي، يعتبره العديد من السياسيين ومن بينهم فخامة رئيس الجمهورية بأنه يفتت “العيش المشترك” ويصيب الميثاق بعاهة أبدية رغم أنه يؤمن المناصفة الحقيقية. واستنبطوا القانون المختلط بجميع تعقيداته وخزعبلاته والاختلافات على تفاصيل تقسيماته لتخدم هذا الفريق أو ذاك، علماً أن “الشيطان” يكمن في التفاصيل.
وهنا استنبطت قريحتي مقترح قانون أعتبره عادلاً بحق المواطن وحامياً لميثاق العيش المشترك ومجيباً لجميع هواجس السياسيين الذين يملكون عن حقيقة هواجس، كما أنه لا يدع للذين يهدفون إلى قانون إنتخابي يكرس مقاعدهم مسبقاً في الندوة البرلمانية حججاً للوقوف بوجهه. علماً أنني متخصص في العلوم السياسية والشؤون الدولية، أي أن “قريحتي” تعمل ضمن اختصاصي؛ فلست طبيباً نسائياً أو عاماً ولست رجل أعمال ولست عسكرياً ولست رجل دين ولست محاسباً أو مستشاراً مالياً ولست مصرفياً… حيث أن برلماننا يعج بهؤلاء الذين يتحفوننا يومياً بنظريات “خنفشارية” لا أساساً علمياً لها ولا قاعدة دستورية فيها.
وعليه، وبعد مراجعتي لجميع الفذلكات التي تقدمت بها التيارات السياسية، أقدم المقترح التالي: أن يقوم جميع المسيحيين باختلاف مذاهبهم بانتخاب جميع النواب المسيحيين وأن يقوم المسلمين بجميع مذاهبهم بانتخاب جميع النواب المسلمين، أي يحق لكل مسيحي لأي مذهب مسيحي انتمى أن ينتخب 64 نائباً مسيحياً ويحق لكل مسلم لأي مذهب إسلامي انتمى أن ينتخب 64 نائباً مسلماً، وعلى صعيد لبنان دائرة انتخابية واحدة وأن يكون الترشح ضمن لوائح والنجاح والخسارة نسبية حسب نسبة الأصوات التي تحصدها كل لائحة. أما ما يؤمنه هذا المقترح، فهو التالي:
أولاً: يؤمن المناصفة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين.
ثانياً: يبني لتقارب سني-شيعي عند تركيب اللوائح ويساهم في تخفيف حدة الخطاب المذهبي الإسلامي. هذه الحدة التي تعمل على إذكاء الفتنة السنية-الشيعية.
ثالثاً: يؤمن المساواة بين جميع اللبنانيين، حيث أن كل فرد لبناني، ولأي مذهب أو منطقة انتمى، يتساوى مع مواطنه اللبناني في عدد النواب الذين ينتخبهم.
رابعاً: يؤمن المساواة في الأصوات التي ينالها النواب، في كل جهة على أقل تقدير، فلا يكون هناك نائباً أتى بعشرين ألف صوت ونائباً أتى بمئة ألف صوت.
خامساً: مهما كان الخطاب السياسي طائفي، لكنه يخرج من المذهبية ويخرج من المناطقية وينتشر على صعيد الوطن كله.
سادساً: يجعل لبنان دائرة إنتخابية واحدة وهو مطلب تدعي تبنيه جميع الكتل النيابية والتيارات السياسية ولكنها تقول باستحالته نظراً للخطاب المذهبي الإسلامي الحاد أو خوفاً من اعتماد العددية الإسلامية بوجه العددية المسيحية؛ وهذه الهواجس تنتفي في هذا المقترح.
سابعاً: يجعل للأحزاب العلمانية دور فاعل في توزيع مرشحيهم على اللوائح الإسلامية واللوائح المسيحية حسب التحالفات السياسية وليس الطائفية.
ثامناً: يتم تنفيذ النسبية التي يعتبرها الجميع أنها الأفضل تمثيلاً من دون الادعاء بالخوف من سلاح هؤلاء أو أولئك، علماً أنه في ظل الشروط الحالية للمواطن اللبناني الذي يحق له الانتخاب، فإن الصوت السني هو الأكثر عدداً في لبنان (الشروط التي تتضمن السن وأن لا يكون عضواً في أي من القوات المسلحة اللبنانية من جيش وقوى أمن عام وأمن داخلي وأمن دولة وغيره).
إن مقترحي هذا هو بغياب مجلس للشيوخ واستشراء التطرف من جميع الجهات إن كان بالتهديد أو الوعيد أو نشر الخوف من الإلغاء أو الشعور بالغبن. إنه من المستحيل معرفة النتائج مسبقاً في ظل هذا القانون. وعليه، إن كان أهل السياسة عن حق يريدون مصلحة لبنان، فهذا يؤمن مدخلاً لهذه المصلحة. أما إذا كانوا ينظرون إلى مصلحة الوطن من خلال مصالحهم، فهذا المقترح هو الأخطر عليهم ومن واجبهم رفضه جملة وتفصيلاً.
^