لا تخرج المعركة الدائرة بين الجيش العربي السوري والجماعات الارهابية المسلحة على الحدود مع لبنان عن سياق المعركة السياسية التي تعصف بهذا البلد منذ أشهر والمرشحة إلى مزيد من التفاعل في الأيام المقبلة . وفي الوقت الذي يحاول فيه الجيش اللبناني والاجهزة الامنية وأد هذا الخطر الداهم، تبين المعطيات الميدانية أن ما يقع على الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا هو جزء من مخطط مسبق للانقضاض على الدولة .
قد لا يهم كثيراً التباكي على ما يجري والتخوف من تبعاته، ولكن من المهم الإشارة إلى أن تمركز عناصر “جبهة النصرة” على تخوم عدد من المناطق في لبنان جرى التحضير له طوال فترة الفلتان الماضية، وأسهمت أطراف متنفذة بسياساتها الملتبسة في التمهيد له لتمرير مشروع مشبوه بلغة الإكراه والإخضاع . وعندما كانت التحذيرات تتوالى من أن استفحال الخطاب التكفيري المتشدد سيزرع بذور التطرف والإرهاب في لبنان ، كانت الردود، الرسمية تحديداً، تميل إلى التهوين وتتهم المحذرين بأنهم مرتبطين بنظام الرئيس السوري بشار الاسد أو بأن الظاهرة مجرد فرقعة إعلامية تستهدف إحراج الحكومة والزج بها في معركة مع الحركات الاسلامية المتطرفة.
هناك قلة من المسؤولين والسياسيين يقرون بدخول لبنان في الفوضى المعهودة، وان بلدهم اصبح في قلب مواجهة مصيرية تستوجب التوحد والصبر وتجاوز الخلافات . ومع أن هذا الموقف جيد من الناحية السياسية، إلا أنه عملياً متأخر جداً لأن حكومة تصريف الاعمال برئاسة ميقاتي لم تكن بمستوى التحدي . وقبل أن تمر إلى الحل الأمني كان عليها أن تتصدى بقوة لمخيمات بث الفتنة التي تنتصب في الشوارع من دون رقابة بحجة “الظلم ” وحرية الرأي والتعبير، وأن تضبط المتشددين والموتورين امثال احمد الاسير الذي اراد تحويل لبنان الى “ارض جهاد ” ضد النظام في سوريا.
إن ما يجري اليوم في لبنان من تحريض على العنف واستماتة من أجل تقسيم اللبنانيين بين “مؤمنين ” و”كفار” يضاف إلى ذلك التصميم على إرباك أجهزة الدولة والهجوم السياسي على رموز قوتها، انما يشير الى مخطط مرسوم مسبقاً يرمي إلى بث جو من الإرهاب، وأي توصيف غيره لا يعني إلا مزيداً من التغاضي والخداع ومحاولة إعطاء صورة لا تعكس الواقع، بينما الواجب يحتّم فضح كل هذه الممارسات وملاحقة مرتكبيها والمحرضين عليها .
ورغم أن الآمال الكبيرة بأن يظل النموذج اللبناني هو الأقرب للخروج سالماً من فوضى “الربيع العربي” تظل المخاوف من انكساره قائمة بسبب الجماعات التكفيرية ودعاتها وتوابعها، وهذه أصبحت اليوم معركة لبنان الحقيقية قبل أي استحقاق آخر .
^