أكثر العواصم العربية تفجراً واشتعالاً وسخونة هذه الأيام، وعلى مدى العامين الماضيين، كانت دمشق التي أصبحت هي الهم الاول عند الكثيرين من العرب والمسلمين ، فهل هي مجرد صدفة أن يتركز الاستهداف ومخططات التدمير والتفكيك والتقسيم الاستعماري الغربي بقيادة حلف الناتو على بلاد الامويين ، أم هو نوع من الرد الانتقامي الاميركي والغربي ضد كل ما هو عربي وقاوم للثأر التاريخي؟!
المشاهد المتشابهة والمتباينة، في أكثر من موقع على الخريطة العربية، لا تكاد تنفصل كثيراً عن بعضها، لا في مقدماتها ولا في مساراتها ولا في نتائجها، ربما فقط في تفاصيلها ومكوناتها وفي درجات سخونتها أو برودتها، وتفجرها أو اشتعالها، وسلميتها أو دمويتها، ذلك أنها تتصل كثيراً في جذورها التاريخية.
إن كل أنواع الحروب الأهلية تصنعها المخالب الدولية الدولية، وتحركها المطامع الاستعمارية لتحقيق المكاسب، وتقف وراءها دوافع تصفية آثار احقاد قديمة ، والرغبة في الانتقام، وترسم أوهام النصر فيها وفرة وسائل القوة والاعلام المرهون وغياب معالم التعقل والاخلاق والحكمة ،فضلا عن الشعور بغطرسة الاحادية التي تولّد حماقة القوة وخطأ الحساب، وقصر النظر وغباء القرار العدواني ، الذي يواجه شبح الهزيمة في أفغانستان وفي العراق، وحصد الإفلاس الاقتصادي والأخلاقي، وهو الآن يعيد حساباته وخططه وتكتيكاته.
وإذا كان الأسلوب القديم للغزوة القديم هو تحطيم الأمة الواحدة إلى دول عدة، فإن الأسلوب الجديد للغزوة هو زرع “الفوضى الخلاّقة ” وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، لتفكيك الدولة الواحدة إلى كانتونات طائفية وكيانات مذهبية، كشظايا متناقضة وضعيفة، لتسهيل سيطرتها على الضعفاء، ولتمكين الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة المدعوم اميركيا وغربياً والقائم على أساس ديني، من القبول ومن أن يكون هو القوة الإقليمية الكبيرة والوحيدة في المنطقة..
ويلفت النظر في الهجمة الشرسة على سوريا ، أن الأدوات المنفذة لمشروع الارهاب و الفوضى والانقسام ، كانت غالباً من الذين يتصدرون المشاهد الجديدة، تارة تحت علم ” الاصلاح ”
وتارة تحت علم “الجهاد”، ، والأسلوب هو ضرب العروبة بالإسلام، ثم ضرب الإسلام بشهود الزور من الجماعات التكفيرية المسلحة ، بهدف استنزاف الجبهة العسكرية المناوئة “لإسرائيل” ، في مواجهات داخلية بين ابناء الوطن الواحد من اجل اخضاع الشعب السوري لمشروع “الشرق الاوسط الكبير” .
وبينما لا تزال الحرب مستمرة بكل الأسلحة السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية في سوريا ، يبقى الإدراك العميق بأن للقوة المسلحة حدوداً تفقد بعدها أي تأثير، وأن الحروب الأهلية لا منتصر فيها، بل الكل فيها خاسر، وأن الحوار بقوة المنطق وفق الحق والعدل، أقوى من الحوار أو الاقتتال بمنطق القوة.
^