لم تكن عملية ما يسمى المصالحة “التركية – الإسرائيلية” حدثاً عابراً يأتي في سياق تطور الأوضاع في المنطقة وتداعيات الأزمة السورية فقط أو نتاج الضغوط الأميركية وحدها.
ما هو مؤكد، أن الغاز دخل في معادلة الصراع إقليمياً ودولياً وفي دائرة المصالح الواسعة والاستراتيجية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يمكن فصل الأحداث والحراك الإقليمي والدولي عن هذا العامل الهام.
وما يمكن قول، إن “إسرائيل” أعدت دوراً مميزاً لتركيا، حولت بموجبه هذا البلد الى مستوى موزع الغاز في دول أوروبا الغربية عبر الأراضي التركية، والسؤال ما هو المقابل الذي سيتم دفعه من قبل الجانب التركي على صعيد الملفات الساخنة في المنطقة ومنها الأزمة السورية والملف الفلسطيني والملف النووي الإيراني بالإضافة الى صفقات السلاح والتدريبات العسكرية بين “إسرائيل وتركيا”.
وكذلك، فإن الدور الذي قام به الرئيس الأميركي باراك أوباما لإعادة العلاقات التركية – الإسرائيلية الى دائرة الضوء من جديد والعمل على المكشوف، كان الهدف منه إظهار الدور الأميركي في المنطقة، ولأن تركيا، كما تدعي، تقع اليوم تحت ضغط الغاز الروسي وشروطه وحساباته، فهي وجدت الفرصة المناسبة حتى تتجاوز حدود البائع واستراتيجيته، وهذا ما يعطيها دوراً جديداً، وارتباطاً أكثر بالعجلة الأميركية – الصهيونية.
إن تحول “إسرائيل” الى دولة مصدرة للغاز، ينجم عنه معادلة جديدة تعطي دوراً جديداً للنفوذ الإسرائيلي على حساب القضايا العربية والروسية وحساباتها الاستراتيجية في المنطقة.
ومن هنا، فإن موضوع الغاز، سيحتم على “إسرائيل” إجراء تغييرات استراتيجية في واقعها الأمني والحفاظ على آبار الغاز، وفي صلبها إجراء تعاون أمني مع تركيا وزيادة التدريبات وتوسع المهمات في جبهات بعيدة.
ويذكر، أن اكتشاف الغاز في عمق البحر الأبيض المتوسط تمّ منذ عام 2009 في بئرين، الأول هو حقل “تامار” في أسدود وعملت “إسرائيل” بتكثيف جهودها ومباشرة ضخ الغاز لفرض الأمر الواقع ومنع أي مساءلات دولية.
أما البئر الثاني “لفتان” قبالة شواطئ حيفا، فقد فشلت جهودها في تشغيله خشية تعرضها لإطلاق صواريخ المقاومة اللبنانية في حال حدوث مواجهات على الجبهة الشمالية.
ويحتوي حقل “تامار” على 280 بليون متر مكعب من الغاز، أما حقل “لفتان” وهو يعني الحوت، فهو يحتوي على 453 بليون مترمكعب من الغاز، وهي كميات ضخمة تصل قيمتها الى نحو 45 بليون دولار، ويقع حقل “لفتان” على مسافة 135 كلم شمال غربي مدينة حيفا.
مما تقدم نسأل، لماذا اشتدت الهجمة الاستعمارية على سوريا ومنظومة المقاومة في أمتنا خلال العام الماضي وتمّ استخدام جميع الأدوات “العربية” التي ربطت مصيرها بمصير الأعداء.
إنها حرب من نوع جديد، والصراع مازال مستمراً.
محمود صالح