خرج الرئيس الأميركي عن الالتزام الذي أعلنه في جامعة القاهرة في حزيران 2009، أي الالتزام بتصحيح كل ما خرّبه سلفه جورج بوش في الشرق الأوسط، بدءًا بسحب القوات الأميركية من العراق وانتهاء بتوفير سلام عادل للفلسطينيين.
وجاءت زيارة أوباما الى “إسرائيل” التي دعمت الاحتلال وجعلته أكثر رسوخاً، كونها ألغت التحفظ على الاعتراف بشرعية القدس الموحدة عاصمة نهائية لـ “إسرائيل”، وأوباما عبّر عن سعادته المتأتية عن وجوده “فوق أرض الوطن القومي الخاص بالشعب اليهودي”، وهو بهذا اعترف سلفاً بـ “يهودية “إسرائيل” وما يتضمنه من تهجير جديد للفلسطينيين.
زار أوباما المنطقة بصفته “سائحاً” كما قال توماس فريدمان من “نيويورك تايمز”، وفسّر الدوافع الخفية التي تكمن وراء قرار تخفيض الاهتمام بالقضية الفلسطينية، الى اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في أميركا الشمالية وكندا والمكسيك ساهم الى حد كبير في التقليل من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، والتقليل من اهتمام بالقضية الفلسطينية، وهو بهذا قلّل اهتمامه بأولئك “عرب” النفط المنهوب.
أوباما هذا، قال في أكثر من مناسبة، أنه يجل ويحترم القيم الأساسية للشعب الإسرائيلي، والسؤال لماذا هذا الإطراء؟ وعن أي قيم يتحدث، هل يتحدث عن سلب الفلسطينيين وطنهم وأرضهم وحقوقهم؟ ألم تذكره الحافلات المحرمة على الركاب العرب بمظاهر التمييز العنصري التي خبرها سود الولايات المتحدة.
والرئيس الأميركي أوباما، لم يطرح خطة سلام جديدة خلال زيارته المنطقة، والجانب السياسي من الزيارة بقي محصوراً بالبرنامج النووي الإيراني، و”إسرائيل” طرحت موضوع الحدود الآمنة في حال تطورت الأوضاع في سوريا، وتداعيات ما يسمى الربيع العربي هيأت الفرصة المناسبة التي سمحت لأوباما أن يظهر بوجهه الحقيقي ومدى انصياعه للمشروع الصهيوني ولو حساب قضايا العرب.
والمؤسف، أن بعض العرب، راهن على زيارة أوباما وتصور أنه آتٍ لتحريك المسار المعطل منذ ثلاث سنوات، وبناء على هذا الإفتراض الخاطئ، تأجلت أو تعثرت المصالحة الفلسطينية، وتأجل إعلان وحدة المؤسسات الفلسطينية الى ما بعد زيارة أوباما، خوفاً من قطع المعونة الأميركية الهزيلة أو خوفاً من انسحاب أوباما من ما يسمى عملية السلام، وأوباما بهذا وفّر على نفسه لقاءات مَن لا يقدرهم فقط.
وما حصل أن واشنطن قلصت موازنة وزارة الدفاع الأميركية، والكونغرس أفرج عن الأموال المخصصة لمنظومة “القبة الحديدية” (211 مليون دولار) وأموال منظومة هيتس (269 مليون دولار).
من ناحية أخرى، حكومة نتنياهو الجديدة، تضم أكبر عدد من الوزراء المؤيدين لمشاريع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، ونتنياهو سيعيد طرح مشروع القانون الدستوري الذي يعتبر “إسرائيل” الدولة القومية للشعب اليهودي، الذي يحمل في طياته التناقض السافر بين الطابع اليهودي للدولة وبين المبادئ الديمقراطية، والحكم سيكون لصالح يهودية الدولة، هذا يعني أن وتيرة الاستيطان ستتسارع في الضفة الغربية، ووفق تعريف محكمة الدولة اليهودية ستسقط فكرة حل الدولتين، هذا يعني أيضاً فلسطينياً الانتقال والتحول الى مسار جديد يمهد الطريق لاندلاع انتفاضة فلسطينية لم يؤخرها سوى زيارة الرئيس أوباما الى المنطقة.
والسؤال، هل نتعلّم الدرس الذي يتكرر ويدفع ثمنه الشعب الفلسطيني أضعافاً مضاعفة؟
محمود صالح