في مصر العروبة – الثورة مستمرة – خاص الموقع
كل الدلائل والمؤشرات، تؤكّد أن ثورة 25 يناير2011 مازالت مستمرة وهي لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها الأساسية والمتمثلة في إحداث تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وإخراج مصر العروبة من دائرة الحصار والتبعية المفروضة عليها منذ ردة أنور السادات ووريثه حسني مبارك، اللذان وضعا مصر رهينة بيد الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية حامية الكيان الصهيوني وإشعال النيران في المنطقة بأسرها ومنعها من القيام بتحولات جذرية تنهض بالأمة.
مصر العروبة اليوم تعيش حالة من الصراع بين مكوناتها السياسية المختلفة، تجربة “الإخوان المسلمين” في الحكم، أثبتت فشلاً في إدارة الحكم، وقوى الإسلام السياسي تتصارع فيما بينها، وسوق المزايدات الكلامية في ذروته، “الإخوان” من جانب والأحزاب السلفية من جانب آخر، والانتخابات النيابية الموعودة أوقفها القضاء المصري قبل أيام.
المحامي السلفي حازم صلاح “أبو اسماعيل” أعلن عن تحالف انتخابي يضم سبعة أحزاب سلفية، بعضها تحت التأسيس، وتعهّد عدم السماح لـ “الإخوان” بـ “السيطرة على مفاصل الدولة”، وبنفس الوقت هاجم قوى المعارضة واتهمها بـ “تنفيذ أجندات خارجية”، وقال: “سنواجه أي محاولات لفرض حكومة من بعض قوى المعارضة، أو إعادة حكم العسكر.
قوى الإسلام السياسي في حالة تراجع، في مصر تراجعت “جماعة الإخوان المسلمين” عن إجراء الانتخابات النيابية بأي ثمن وفي أسرع وقت، وذلك تحت ضغط التظاهرات الشعبية المعارضة، وفي موازاة ذلك تراجعت “حركة النهضة” في تونس عن تمسكها بشكل الحكومة التي أرادتها بعد انتخابات المجلس التأسيسي وتخلت عن الحقائب السيادية، رغم أن “الغنوشي” اعتبر سابقاً مثل هذا التخلي يعني الرضوخ “لمؤامرة الثورة”.
ويمكن القول إن التراجع من قبل قوى الإسلام السياسي أصبح أكيداً، وهي التي أبدت شهية لا تشبع للسلطة والسيطرة على مؤسساتها، وهذا التراجع لا يمكن رده الى حس ديمقراطي أو إشراك المعارضة في ترتيب شؤون البلاد، وإنما يعود الى ميزان القوى الداخلي الذي بدأ يفرض هذا التراجع.
لقد اختل ميزان القوى لغير مصلحة قوى الإسلام السياسي، بعد الفشل المدوي في إيجاد أي حل، ولو مؤقت للأزمات السياسية والمعيشية المتراكمة، وفي المجال السياسي، فإن طريقة ممارسة الحكم لا تختلف عن النهج السابق ومازالت البلاد تخضع لمعاهدات مذلة، أفقدت مصر دورها العربي وجعلتها مجرد تابع لإرادة القوى المعادية لتطلعات جماهير أمتنا العربية في إحداث تحولات وتغييرات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية، هذه المفردات مائلة وهي إحدى محددات الحراك الثوري في مصر العروبة.
وكذلك يسجل للمجتمع الأهلي والمدني ثباته في مواقفه المبدئية في قضية الديمقراطية وكذلك موقف الأحزاب العلمانية والمدنية والليبرالية، كل ذلك ساهم في زيادة وتيرة الاعتراض على مشروع الدولة الدينية التي أرادها الإسلام السياسي.
لقد أطلقت الجماهير مواقفها الحازمة، نادت بالحرية والمساواة في المواطنة والحقوق المدنية، والصمود في المواجهة زاد المجتمع قوة ومنعة، وكذلك فشل الإسلام السياسي ولم يتمكن من استحواذ آلة القمع في مواجهة المعارضة ولم يستطع أن يفرض بالقوة ما عجز عنه سلماً، أي أن المؤسسة العسكرية خذلت قوى الإسلام السياسي وبقيت على حيادها ذاته الذي ساهم في إسقاط نظام كل من “مبارك” و “بن علي”.
من هنا، يمكن القول، الثورة مستمرة وهي لن تتوقف حتى تحقيق كافة هدافها وتطلعات الجماهير العربية في تغيير البنى القديمة وإحلال بنى جديدة وآليات واضحة أساسها أحداث التحولات الجذرية الأساسية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعودة مصر العروبة الى عمقها العربي كرائدة في صناعة واقع جديد يمثل نقطة انعطاف هامة في مسيرة العمل العربي المشترك وإيجاد مكان لائق بين الأمم.
محمود صالح