هناك مؤشرات جدية تؤكد أن المخاض العسير الذي يهز لبنان منذ أسابيع ستكون نتيجته ميلاد حالة سياسية جديدة أكثر واقعية وبعيدة عن نظريات القفز في المجهول.وجاء تصويت اللجان النيابية المشتركة على مشروع “اللقاء الارثوذكسي” ضربة البداية للحد من فوضى التمثيل الحاصلة ، ولبنة ستتوالى بعدها لبنات تبني النموذج الذي يحلم به اللبنانيون وتحديدا المسيحيين بمختلف توجهاتهم ومنطلقاتهم السياسية .
“الترويكا ” العجيبة المكونة من “المستقبل ” و”القوات ” و”الكتائب ”، لم يعد يجمعها شيء تقريباً، والخلافات بينها لم تعد سراً، فبعضها تصدع وبعضها الآخر تشظّى وتفجّر، والاستقالات الجماعية والخلافات من الداخل أصبحا من يوميات هذا التحالف، والخطابات بين رموزها باتت تعتمد المراوغة أكثر مما تتطلب من المصارحة والمكاشفة بين نخب يفترض أنها مؤتمنة على مصير شعب ودولة في مرحلة من أدق المراحل وأخطرها .
اما على المقلب الآخر وتحديدا في الرابية لم يكن رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون
يناور أو يبحث عن بطولة خطط لها . فلقد دفعته إكراهات الحكم واساليب التهميش والاقصاء على مستوى التمثيل المسيحي ليكون أكثر واقعية من “خصومه ” ويكفيه أنه تدارك أمر ابناء جلدته وظهر بمظهر الضامن للحقوق في لحظة فارقة ستحسب في رصيده حتى وإن فشلت مساعيه في تأمين الاصوات الكافية لاقرار “الارثوذكسي ” في مجلس النواب .
ما حدث ويحدث في لبنان على صعيد الملف الانتخابي قد يكون فرصة أتاحها القدر للبنانيين ليراجعوا حساباتهم جيداً، ويعرفون أي مصيبة أصيبوا بها بعد انتخابات 2009 المثيرة للإعجاب
وعندما يقف اللبنانيون بعد قرابة اربع سنوات من ذلك التاريخ لا يجدون شيئاً تحقق غير التناحر الطائفي والمذهبي والتكالب على السلطة ومحاولات تزوير الحقائق والوقائع والمشاعر والانتماء . ومن الطبيعي جداً أن يفجر هذا التهافت السياسي خيبة أمل شعبية طاغية وجدت ترجمتها في حالة النفور من الرموز التقليدية الحاكمة و”البهلوانات” المتنطعة يميناً ويساراً من دون أي “فقه” للواقع أو معرفة بموجباته .
حسنا فعل سماحة السيد حسن نصرالله عندما أظهر بالوقائع “ادعاءات” رئيس حزب المستقبل سعد الحريري الذي ظن يوما ما أن الحكم يعني اعتلاء منبر “السرايا الحكومي ” وتوجيه الأوامر لدواليب الدولة لتدور، ولكنه سرعان ما اكتشف أن هذا التصور مفارق للمنطق ولا يوجد حتى في لعبة “البلاي ستايشين “. فالشعب اللبناني الذي أنهكته البطالة وغلاء الأسعار والخشية من المستقبل، يثور اليوم من أجل أهداف بسيطة لا تحتاج إلى فلسفات سياسية أو نظريات أو فطاحل خارقين من حزب الازرق لتعليمه كيف يعيش وعلى أي نمط يسير؟
الوضع خانق ولا شك، وما يعبّر عنه السيد نصرالله منة خلال اطلالاته التلفزيونية مؤخرا ،يؤكد أن المرحلة الحالية تستدعي كثيراً من الهدوء والتفكير العميق للخروج بأفضل الحلول الوطنية . أما الساعون إلى كسر عنق الحقيقة ويحلمون بوضع مريح على كرسي الحكم انطلاقا من هجومهم على سلاح المقاومة فإنهم عبثاً يحلمون .
**