اجرى برنامج “بلا سياسة” على اذاعة سترايك مقابلة شاملة مع رئيس تيار التوحيد الوزير السابق وئام وهاب، استعرض خلالها وهاب مراحل حياته، من طفولته الى مرحلة الشباب والنضال السياسي الى مرحلة العمل الصحافي ثم الوزارة وحتى اليوم.وهنا نص المقابلة – الجزء الاول. يذكر ان الجزء الثاني سيبث على اذاعة سترايك نهار الثلاثاء المقبل في 21 تموز 2009 في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا.
حضرتك من قرية معروفة جداً في لبنان وهي الجاهلية اخبرنا اكثر عن طفولتك في هذه البلدة وماذا تتذكر منها؟
ج- اولا اصل العائلة ليست من الجاهلية بل من الشويفات ولكن والدي ذهب الى الجاهلية كأستاذ مدرسة ايام الانتداب الفرنسي ونحن ولدنا فيها واصبحت ضيعتنا بالطبع. والدي ارسلته وزارة التربية الى هذه القرية ولم يكن فيها آنذاك لا طرقات ولا مدرسة فاتخذ من المنزل الذي استأجره لعائلته مدرسة وقام بتدريس الناس في وقت لم يكن في القرية اناس متعلمون، فبات هو الذي يكتب الرسائل الى ذوي اهل القرية المسافرين، ويكتب الحجة (اي الورثة) وكل شيء يتعلق بالكتابة. وقد احبه اهل هذه القرية واحبهم ولم يسمحوا له بالرحيل، حتى انهم احتجوا على ذلك عند احد اصدقائه آنذاك وهو المرحوم بهيج تقي الدين ثم اجبروه على شراء ارض كي يبني منزلا له في الجاهلية. ولدنا جميعنا في هذه القرية. العائلة انتقلت اليها منذ 70 عاما ونفوسنا فيها.
س- استاذ وئام من اختار لك اسمك؟
ج- والدي. فقد كان شاعراً واديباً معروفاً ولديه كتاباً في الشعر الفصيح. اسم والدي ماهر. ونجيب اسم جدي اما وهاب فهو اسم الجب وهو عائلتنا اليوم. ولكن نحن كعائلة مردّها الى عائلة شعبان من مدينة الشويفات.
س- حضرتكم من عائلة درزية متحفظة جداً؟
ج- نعم متحفظة، ولكنها ليست منغلقة على ذاتها؛ فأخي الاكبر مثلا تزوج في السبعينات من امرأة مارونية من بشري، ثم ابنه الاكبر تزوج من “شيعية”. ولكن نحن من بيئة محافظة، والدي كان محافظا طبعا ولم يكن يتعاطى الخمر مثلا ولا التدخين. وقد ربانا على اخلاقيات معينة حيث كان موضوع الاخلاق امر أساسي في تربيتنا وهذا الموضوع طبعا لازمني طيلة حياتي، فكنت اسمع الناس يقولون عن والدي يوم وفاته عندما كانوا يعدّدون صفاته بأنه “قاضي بخشيش” وكنت يومها في الرابعة عشر من عمري. فقد كان المرحوم الوالد الاستاذ والقاضي والمرجعية بين الناس، ثم بعد ان عجز مختار القرية الذي كان يومها جد زوجتي وتوفي، استلم والدي الختم واصبح عمليا هو من يحل قضايا الناس التي كانت من مسؤولية المختار آنذاك. فكان يتمتع بثقة كل اهل القرية لذلك احبهم واحبوه. واليوم هذه الثقة الذي حظي بها المرحوم من الناس تعني لي الكثير لذلك هذه القرية بكل تفاصيلها وناسها وشوارعها تعني لي اكثر من بلدتي الاصلية الشويفات. فأنا اعتبر ان الاعوام الاولى من عمر الانسان تترك فيه اثرا كبيرا وتربطه طيلة حياته. لذلك هناك ارتباط كبير بيني وبين قرية الجاهلية واهتم بكل تفاصيلها.
س- هل كنت مشاكسا في المرحلة الدراسية كما انت اليوم مشاكسا في الحياة السياسية؟
ج- يقولون انني كنت مشاكسا في طفولتي وفي المرحلة الدراسية وتحديدا المرحلة المتوسطة عندما بدأت افهم واعي الامور السياسية. وذات مرة على سبيل المثال اقدمت على تعطيل المدرسة والقيام بمظاهرة تضامنا مع شهداء الجزائر! ويومها طبعا لم يكن هناك وسائل اعلامية متطورة مثل اليوم ولم يسمعني احد طبعا، ولكني كنت ارضي ذاتي بهذا العمل. وكذلك يوم استشهاد كمال جنبلاط، اقفلت المدرسة واقمنا احتفالا القيت خلاله كلمة وكان شبيها بمظاهرة ايضا.
عندما اصبحت في المرحلة الثانوية اصبحت اكثر مشاكسة وعلى خلاف دائم مع ادراة الثانوية، وكنت يومها في ثانوية كفرحيم وكان مديرها الاستاذ انور ضو (مدير عام تعاونية موظفي الدولة حاليا) وكنت على خلاف دائم معه بموضوع النشاطات الطلابية، حيث كنت آنذاك مسؤول الطلاب في الحزب الاشتراكي وكنت نشيطا جدا لدرجة لم اكن اسمح للاحزاب الاخرى بالتحرك على صعيد النشاطات طبعا فكنت دائما اقوم بنشاطات وحفلات في مختلف المناسبات رغم ان الاحزاب آنذاك كانت قوية (القومي والبعثي العراقي والسوري والشيوعي وغيرهم) وكان هناك تنافس جدي بينهم
س- سأطلب منك ان تعدد لي ابرز نقاط قوتك وابرز نقاط ضعفك ماذا تقول؟
ج- ابرز نقاط قوتي وبدون تردد اقولها هي ايماني بالله، فأنا جدّ مؤمن الى ابعد الحدود؛ اؤمن بوجود الله وبأنه يتابع كل تفاصيل الناس واؤمن اذا توكل الانسان على الله بصدق طبعا سيكون الى جانبه دوما. فإيماني راسخ ولا اخاف من اي شيء سوى من ضميري او من اي خطأ قد ارتكبه. ولا اظن ان هناك احد يستطيع ان يقول بأنني تعاطيت معه بغير ضمير وهذا امر اساسي بالنسبة لي.
اما نقاط الضعف هناك نقاط ضعف كثيرة عند الانسان.
س: هل انت عصبي؟
ج- نعم في بعض الاحيان ولكنني اهدأ بسرعة. فأنا سريع الغضب لانني لا استطيع ان اخفي او ان احقد على احد وانسى الاساءة بسرعة
س- هل طلب منك احد ان تخفف من صراحتك وصدقك لانك تجرح الاخرين في بعض المرات؟
ج- كيف؟! هناك سبب لهذه الصراحة التي يعتبرها البعض تؤذي او تجرح. فما كنت اقوم به واقوله في السياسة في السنوات الماضية نتيجة ما تحملت ظلما لم يكن لي علاقة فيه، وتعاطى البعض بوقاحة فاقت الحدود، وانا اعرفهم جميعهم، فقد كنت صحافيا منذ العام 1984 واعرف كل السياسيين وتفاصيلهم وسلبياتهم وايجابياتهم. فوجدت انهم تعاطوا بظلم كبير معنا خاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أنا رجل لا اؤمن بالعنف والقتل، وحتى اثناء الحرب كنت ضد القتل وكنت اتألم لاي ضحية تقع من أي جهة كانت. وكنت من اول المندفعين في لبنان ربما، ففي العام 1996 مثلا كنت اذهب الى منطقة الشرقية واجري اللقاءات الصحافية والسياسية واتعاطى مع السياسيين الذين كانوا يُعتبرون اخصاما آنذاك، مثل القوات اللبنانية والكتائب وغيرهم.. والرئيس الراحل كميل شمعون اجريت معه يومها اكثر من مقابلة سياسية. يعني اني لم اكن يوما متزمتا او طائفيا او مذهبيا.
ولكن عندما حصلت جريمة اغتيال الرئيس الحريري اصبح البعض ينعتنا بأننا “زلم الوصاية” وغيرها من النعوت! تصوري مثلا ان يقول النائب مروان حماده بأنني انا زلم الوصاية وهو الذي امضى حياته في الشام، والسوريون جعلوا منه وزيرا ونائبا طيلة عشرين عاما ولم يفعلوا ذلك معي! وعندما اغتيل الحريري بدأوا يهاجموننا من مجلس النواب وارادوا ان يحملونا مسؤولية الخمسة عشر سنة الماضية ولم يكن لنا في الحكومة الا اربعة اشهر، وشهرين تصريف اعمال بعد الجريمة!! واحد كان طيلة خمسة عشر عاما وزيرا ونائبا ويقول عنا بأننا وصاية سورية؟! ماذا كان يفعل طيلة هذه السنوات؟! فما فعلوه معنا جعلني اتصرف معهم بدون رحمة لان كرامتي اغلى منهم كلهم. ولن اترك لهم ستراً لانه لا يجوز ان يأتي احدهم قام باستغلال الوضع القائم من الطائف وحتى اليوم ونهب البلد واستفاد من كل هذا الوضع ويتبين معه في النهاية ان وزيرا له اربعة اشهر في الحكومة هو رأس المرحلة المقبلة!! هم يريدون ضحايا وانا لا أقبل ان اكون ضحية لاحد تماما كما تصرفت مع موضوع المحكمة الدولية، فكرامتي غالية وانا لا احتمل ان تأتي ابنتي من المدرسة وتقول لي انني قتلت رفيق الحريري!! انا لا اقتل واعتبر ان توجيه التهمة لي بالقتل اهانة تماما كتهمة السرقة اوغيرها.
بموضوع المحكمة الدولية اتوا وحققوا مع مسؤول الحرس عندي واتهموه بأنه هو سائق الـ ميتسوبيشي التي انفجرت بالرئيس الحريري وتبين لهم ان هذا الرجل يتاجر بالخضار وكانت سيارته محملة بالفاصوليا وطبعا اوراقه كلها كانت قانونية واثبتت عدم صحة هذه الكذبة التي اخترعها ايضا وقتها مروان حماده. فعندها قررت الا ارحم احد ولكن بالموقف طبعا وليس بأي شيء آخر ولكن ايضا من لا ينتقم لكرامة يكون بلا كرامة.
س- حضرتك عملت صحافيا، مستشارا سياسيا، وزيرا، وسياسيا معروفا في الحياة السياسية في لبنان. اي جانب هو الاقوى في شخصيتك؟ بمعنى آخر اين تجد نفسك أكثر؟
ج- بصراحة الرجل السياسي. فأنا لم ارغب الوزارة كثيرا وارى ان الوزير موظفا اداريا عاليا درجة اولى، ولم تستهويني، ربما لانني لم اتمكن من ان افعل شيئا واحسست ان المافيات اقوى مني. ما دوري كوزير بيئة اذا كنت لا استطيع ان اقفل كسارة لرئيس مخفر في منطقة معينة وهو رقيب في قوى الامن مع احترامي للرتب! سوكلين مثلا تسرق الناس وانا على علم انها تسرق لبنان وذهبت لاقدم شكوى فيها تبين لي ان سرقتها مشرّعة!! المعامل جميعها لا تستوفي شروط البيئة ولا يمكنني ان اقفل واحد منها لانها اقوى مني!
س- ماذا عن الصحافة؟
ج- الصحافة هي التي صنعتني وعلمتني.. تعبت كثيرا في فترة معينة في العمل الصحافي وكنت انام ثلاث ساعات في اليوم كي انجز العمل الموكل اليّ. ولكن استفدت كثيرا من العمل الصحافي وخلق عندي تراكمات جعلتني وفي عمر مبكر ابني نفسي. ففي الخامس والعشرين من عمري كنت العب ادوارا سياسية مهماً، (مثلا بين القوات والحزب الاشتراكي في فترة الحرب). كل ذلك شكّّل بالنسبة لي تجربة ونقطة انطلاق في العمل السياسي. الصحافة مهنة جميلة ولكنها صعبة في لبنان.