اجرى تلفزيون الـ بي بي سي حوارا شاملا مع رئيس تيار التوحيد اللبناني الوزير السابق وئام وهاب تم خلاله عرض لآخر التطورات في المنطقة والعالم على صعيد الانفتاح الامريكي على سوريا وانعكاساته على الوضع في لبنان وفلسطين والعراق. بالاضافة الى موضوع المحكمة الدولة والتحقيقات، والادارة الامريكية الجديدة وغيرها من الملفات الهامة. وهنا نص الحوار:
س: بعد عودتك من دمشق، كيف كانت الاجواء هناك فيما يتعلق بالمبادرة الاميريكية والانفتاح الاميريكي على سوريا؟
ج: بداية رحيل جورج بوش وسقوط مشروعه واستلام ادارة اوباما الحكم في اميركا وعدم التزام الاخير مشروع بوش، سينعكس ايجابياً وارتياحاً على كل المنطقة وليس على سوريا فحسب؛ سينعكس على لبنان والعراق وفلسطين وسوريا وعلى الوضع العام في كل المنطقة. نحن امام ادارة جديدة ونهج مختلف عن نهج جورج بوش. واتمنى ان يتفهم اوباما اكثر قضايا المنطقة، لأنه لا يمكن ان تعالج قضايا المنطقة بالطريقة التي انتهجها بوش في العراق. والقرار الاميريكي اليوم بالانسحاب من العراق يترك ارتياحاً في المنطقة. يبقى الموضوع المركزي وهو القضية الفلسطينية حيث لا يجوز ان يبقى الفلسطينييون بلا وطن. واعتقد أن تطبيق القرارات الدولية بموضوع الدولتين والانسحاب من الاراضي العربية المحتلة فيه مصلحة اسرائيلية اليوم. فالاجيال القادمة ستكون اكثر حقداً على الاسرائيليين من الاجيال السابقة، نتيجة ما يرونه اليوم من ممارسات اسرائيلية ترسّخ في اذهانهم صورة الحقد الاسرائيلي. وحتماً ما هو مقبول اليوم من حلّ الدولتين، لن يكون مقبولا لدى الاجيال القادمة، وكما كان عرفات مرفوضاً منذ عشرين عاماً واصبحت الان فتح هي المطلوبة، حتماً بعد عشرات السنين ستصبح حماس هي المطلوبة لان من سيأتي بعدنا سيكون اكثر تطرفاً اذا استمر تعليق حل القضية الفلسطينية.
س: هل لديك ايمان بأن اوباما سيحدث تغييراً كبيراً؟
ج:المسألة بحاجة الى اختبار. اليوم مثلاً كان لدى اوباما مشروع تعيين شخص في الاستخبارات، الغاه اللوبي اليهودي في واشنطن!! ولكن على الاقل هو افضل من بوش لان لا وجود لاسوأ من بوش في العالم! اعتقد بأن اوباما سيراعي مصالح بعض الدول والقوى الاقليمية، ومنها سوريا وايران، ولا يستطيع ان يتعاطى معهما بالسياسة التي انتهجها بوش واثبتت فيما بعد فشلها.. فبوش مسؤول اليوم عن الكثير من النكبات في العالم ومنها الازمة الاقتصادية الاخيرة.
فيجب ان يتعاطى اوباما مع سوريا بلغة المصالح حول لبنان وفلسطين وحتى العراق. لا يمكنه ان يفرض شروطه عليها كما حصل في السابق، عندما أتى كولن باول، وكان يومها الجيش الاميريكي على ابواب دمشق، ولم تخضع دمشق يومها للشروط الاميريكية، وقرر الرئيس الاسد المواجهة مهما كانت النتائج.. الان المهم ان يتفهم اوباما ان لاميركا مصالح، ولكن للاخرين ايضا مصالح في المنطقة. فالمنطقة اليوم بحاجة الى واقعية اميريكية وليس لاملاءات اميريكية. والمثل البريطاني مؤخراً في انفتاحه على حزب الله خير دليل على ضرورة انتهاج سياسة الحوار.
اين المنطقة بأن يتهم حزب الله بالارهابي، وهو يمثل مع حلفائه اكثر من نصف اللبنانيين؟! اليوم على الاميريكيين والغرب عموماً وبريطانيا ايضا (وهي حليف اساسي للولايات المتحدة)، ان يقتربوا اكثر من الواقعية السياسية لكي يتمكنوا من لعب دور في المنطقة.
س:هل تعتقد ان هناك شعورا بالانتصار لدى السوريين، على اثر الانفتاح الاميريكي الاخير على محاورتهم بعد ممارسة الحصار عليهم في الفترة السابقة؟ بمعنى آخر، هل هذا يثبت ان السياسة السورية كانت سياسة ناجحة؟
ج: مجرد سقوط خطة جورج بوش، وما اسمته كونداليزا رايس خلال عدوان تموز “الشرق الاوسط الجديد” فهذا يعني نجاح لسوريا. ما يهم سوريا ان يكون هناك سلام في المنطقة، قائماً على اسس العدالة واستعادة الارض. هذا هو الربح السوري. طبعاً هناك شعور سوري بصوابية خياره. والان الهجمة العربية على سوريا تؤكد بأن كثيرين من العرب يعودون الى بعض الثوابت التي وضعتها سوريا ويتجهون اكثر نحو المنطق السوري، لان المبادرة العربية التي وضعت على الطاولة منذ خمس سنوات، لم تجد من يلتقطها من الجانب الاسرائيلي.. وقد بدأت بوادر هذا التوجه تظهر في موقف المملكة العربية السعودية. ويجب ان لا ننسى موقف مجلس الوزراء السعودي الاخير، عندما تحدث عن خيار المقاومة في فلسطين. وهذا تطوّر ايجابي.
يجب ان يكون لدى اميريكا قناعة بضرورة التحاور مع العالم وليس اعطائه دروساً! فمن يهتم مثلا اذا اصدر الرئيس الاميريكي كل يوم بياناً من البيت الابيض؟! هناك واقع جديد في العالم! والبيانات التي كانت تخيف بعض الأنظمة، لم يعد بإمكانها اخافة شعوب هذه الانظمة! وتوسّع خيار المقاومة، تطور جديد في كل هذه الصراعات التي تحصل. وسوريا لديها قناعة بأن منطقها هو الصحيح والرابح، وبالمقابل التشجيع الاميريكي لاسرائيل طبعاً عزّز المنطق السوري .
واليوم اشبّه وضع شعوب المنطقة بوضع شخصي مررت به، عندما اصدر جورج بوش منذ سنتين قرارا بمنعي من دخول اميركا وتجميد اموالي في المصارف الاميركية!! اجبت على هذا القرار بالضحك لان لا شيء اخسره في اميركا! وشعوب المنطقة اليوم لديها نفس الشعور بأن لا شيء تخسره في هذا الصراع، وتعتبرنفسها رابحة مهما كانت النتائج.
س:بالامس كنا نتحدث مع احد الرسميين الاميركيين السابقين وكان يقول ان لا شك لديه بأن سوريا ترغب في ان تكون قريبة من الغرب، وقربها يمكن ان يجعلها تنفصل عن ايران. هل برأيك سوريا تود الانفصال عن ايران والاقتراب من الغرب؟
ج: من يفكّر بأن سوريا ستنفصل عن ايران فهو واهم. اتمنى الا يعيش الغرب في هذا الوهم وان يقترب اكثر من الحوار مع ايران وسوريا. سوريا تعرضت لمكائد كثيرة ولغدر عربي وغربي كبير خلال السنوات الاربع الماضية، ولم تقترف اي ذنب سوى انها وقفت عائقاً امام مشروع جورج بوش في المنطقة، وجاك شيراك كان لديه حساباته الخاصة في المنطقة اكان مع آل الحريري او ضد سوريا. اتى القرار 1559 وبدأت الحملة على سوريا ولم يقف معها الا ايران. فواهم من يعتقد ان سوريا ستبتعد عن ايران. قد تلعب دوراً ايجابياً مع ايران ولكنها ان تبتعد عنها. ثم هل يريد الغرب حرباً مع ايران؟ هذا سؤال لا جواب له!! انا غير مقتنع بأن هناك عداءً غريباً كبيراًُ لايران كما يتصور البعض. فايران تستطيع ان تلعب دوراً بناءاً في المنطقة، اكان في افغانسان او العراق او غيرهما. هل يستطيع الاميركيون الخروج من المأزق في افغانستان دون ايران؟ وفي العراق وفلسطين، هل يمكن لاحد ان يتصوّر بان ايران خارج الموضوع وخارج القضية الفلسطينية؟! لذلك الحديث عن تحجيم ايران التي تلعب اليوم دورا هاما وكبيرا في المنطقة، هو كلام فيه غباء!
س:رغم الحديث عن تقارب وانفتاح امريكي على سوريا، ولكن يبقى هناك رسميون في اميركا يعتقدون بأن كل ما تريده سوريا هو ان تكون قريبة من الغرب وبأنهم يستطيعون ان يقدموا لسوريا اكثر ما يقدمه اعداؤهم (اعداء امريكا) مثل ايران وغيرها.. هل تستطيع اميركا ان تقوم بهذا الحوار بنفس العقلية الموجودة ام يجب ان تذهب الى الحوار بعقلية جديدة؟
ج: طبعاً يجب ان يذهب الامريكيون الى الحوار مع سوريا بعقل ونهج جديدين. وقبل ان نتحدث بالنتائج فلنتحدث بالسبب!! اولاً حزب الله وحماس شرطهما هو قيام الدولة الفلسطينية وحل الصراع العربي الاسرائيلي. ماذا تقول سوريا اليوم؟! سوريا تقول بتنفيذ قرارات الامم المتحدة. ولكن هل العالم يريد ان يتراجع عن هذه القرارات؟! اذا اراد ذلك فحتماً سيواجه جيلاً عربياً آخر.
برأيي اذا استمر المنطق الغربي بفصل سوريا عن ايران فحتماً سيفشل الحوار. اما اذا كان المنطق الغربي بأن يبحث عن مصالحه ومصالح سوريا وايران في المنطقة كدولتين لاعبتين اقليميتين كبيرتين، فالامر عندها يصبح مختلفاً.
انا انصح ان يتم التعاطي مع سوريا كوسيط مع ايران، وليس محاولة فصلهما، فالاخيرة تطمئن وتثق بسوريا نتيجة موقفها منذ الحرب العراقية – الايرانية وحتى اليوم. وهذا الامر يجب ان يستفيد منه الغرب.
س: في هذا الجو السياسي القائم، هل برأيك الولايات المتحدة بحاجة لسوريا اكثر ام العكس؟
ج: سوريا لاعب اقليميّ اساسيّ يطلّ على ثلاث ازمات في المنطقة: العراق لبنان وفلسطين. وسوريا ممر اجباري في هذه الازمات. واذا كانت واشنطن تريد حلا للقضية الفلسطينية وتريد لبنان مستقرا وهادئا، واذا كانت بحاجة الى انسحاب هادئ من العراق، فحتماً هي بحاجة لسوريا ولمساعدتها. بالمقابل سوريا بحاجة ربما الى فكّ الحصار الاقتصادي. ولكن ما يجب ان يعرفه الاميريكيون ان حافظ الاسد بنى دولة، ولم ينتبه اليه الغرب طيلة 25 عاماً وهو قادر على الصمود لسنوات. في سوريا اكتفاء غذائي وصناعات وزراعات وثروة حيوانية ومائية ونفطية.. الان سوريا قادرة على تحمّل الحصار ولكن الاميريكيين غير قادرين على تحمّل المراوحة في المنطقة.
هنا اعتقد ان بريطانيا التي تعرف جيداً بشار الاسد يجب ان تلعب دوراً مع الاميريكيين في تعريفهم على شخصية هذا الرجل الذي تحدّث منذ اللحظات الاولى لاستئناف الحوار، عن رفضه للاملاءات.. لذلك يجب ان نفهم عنفوان وشخصية هذا الرجل. فلا طموحه ولا شخصيته يسمحان له بقبول الاملاءات والشروط الاميريكية. يجب ان يناقشه الاميريكيون بالتفاصيل وبالمصالح.
وهنا اريد ان اوضح الفرق في ممارسة السياسة في المنطقة، بين السوري والايراني من جهة، والاميريكي من جهة اخرى، فالايراني والسوري يختلفان عن الاميريكي باعتبارهما اصحاب باع طويل في السياسة.
س: في المحكمة الدولية وخاصة في بداية التحقيق اشير الى اسماء قيادات كبيرة في النظام السوري. اذا فعلاً ادانت هذه المحكمة الضباط الاربعة كيف سيؤثر ذلك على مستقبل العلاقات الاميريكية – السورية؟
ج: هذا يعني تفجير كل المنطقة وان القرار 1701 سيكون ضحية وان قوات الطوارئ في لبنان ستدفع الثمن نتيجة الفوضى، وكل شيء سيتغير في المنطقة لاننا نعتبر ان هذه المحكمة مسيّسة. ولا السوري ولا اللبناني هما من قتل رفيق الحريري، لا بل مشروع جورج بوش هو من قتله، واستعمل هذه الجريمة للضغط على سوريا وكل المنطقة. والاداة امر تفصيلي لان الاهم ان المشروع الاميريكي هو من قتل رفيق الحريري، كما قتل ياسر عرفات واعدم صدام حسين.. هؤلاء جميعهم قُتلوا في اطار مشروع معين. فأي ادانة لا تستند الى وقائع ستفجر المنطقة. والمحكمة الدولية ليس لديها اي واقعة.
س: هل ترى ان هذا التقارب الاميريكي – السوري اشارة الى عدم وجود ادانة لاي من الضباط الكبار في النظام السوري؟
ج: المسألة ليست مسألة انتقاء. هل لدى القاضي الدولي ادلة؟ لا اعتقد ذلك. واعتقد ان بلمار هو أسوأ من ميليس وينفذ قرارا سياسيا معينا ويخبئه الى اللحظة المناسبة. ولكنه اكثر ذكاءا من ميليس، وقراره محضّر مسبقا. فإذا تقدّمت الاتصالات بين الغرب وسوريا، سيخرج من يقول بان السيارة فخخت في الضاحية الجنوبية. واذا لم تتقدّم هذه الاتصالات سيتّهمون سوريا. اذا المسألة انتقائية وهي مسألة قرار سياسي. ولكن انا انصح بألا يجرّوا المنطقة الى مواجهة كبرى كما يحصل اليوم في السودان. ماذا سيستفيد السودان من ما يحصل مع عمر البشير؟! الفوضى ستزداد في دارفور، وضحايا جدد سيدفعون الثمن في دارفور نتيجة هذه السياسة الغبية.. كما وانه لا يمكننا ان نقول بأن المحكمة الدولية هي للعرب فقط!! أليس في العراق جريمة عصر ارتكبها جورج بوش؟! من حاسبه؟! أليس في فلسطين جريمة عصر ارتكبها الاسرائيليون بحق الاطفال والنساء؟ من حاسبهم؟ لا يمكنهم ان يجيّروا العدالة الدولية فقط لمحاكمة العرب. فالعرب لا يقبلوا بذلك.
س: تقول انه اذا نجح الحوار الاميريكي – السوري ستوجه اصابع الاتهام الى حزب الله واذا لم ينجح سيتّهمون سوريا. هل هذا يعني ان سوريا ضحّت بحزب الله؟
ج: طبعاً سوريا لن تضحي بحزب الله وانا أكاد اجزم ان حزب الله بالنسبة للرئيس بشار الاسد هو بمثابة الجيش السوري.
س: ولكن مجرد القول ان السيارة فخّخت في الضاحية الجنوبية فهذا سيفتح الباب امام الكثير من التأويلات؟
ج: طبعاً. فالغرب ربما بحاجة الى مساعدة اسرائيل في معالجة موضوع حزب الله. لذلك اقول بأن اي اتهام سياسي سيفجّر المنطقة اذا كان باتجاه حزب الله او باتجاه سوريا. وانا اجزم ان لا احد يجرؤ على قتل رفيق الحريري دون الاميركيين. والآن لجنة التحقيق الدولية توصّلت الى ان هناك انتحاريا، وكان يعيش في الصحراء وهناك اشارة الى انه سعودي (وهنا لا اعني ان النظام السعودي ارسله)، وهذا ما كان يحاول ان يتهربّ منه فريق 14 آذار في لبنان، فالقول بأن هناك انتحاري يعني بأن سوريا لا علاقة لها في الموضوع.
س: برأيك اذا نجح التقارب السوري – الاميريكي هل سيستغل فيما بعد موضوع اغتيال الحريري للتخلص من حزب لله؟
ج: ربما هي محاولة، ولكن حزب الله أقوى حزب في العالم اليوم ولا يمكن لاحد ان يتخلّص منه. هذا الوهم سيؤدي بهم الى اخطاء كبيرة.
س: اذا حصل التقارب السوري – الاميريكي يمكن للاميريكيين ان يطلبوا من سوريا التخلي عن حزب الله وحماس. هل برأيك سيحصل هذا الامر؟
ج: كيف ستتخلى سوريا عن حزب الله وحماس، والقضية الفلسطينية مازالت معلقة، والاراضي مازالت محتلة؟؟ الامر يبدأ بأساس المشكلة. والسوري واضح في هذا الامر وقال عندما طلب منه الاميريكيون طرد خالد مشعل ورمضان شلح من دمشق، قال لهم “انا اطردهم ولكن الى المكان الطبيعي وهو فلسطين، اعطوهم فلسطين وانا اطردهم اليها”. واعتقد ان هذا هو الموقف السوري الثابت. فسوريا لا تستطيع ان تغير جلدها بالبساطة التي يتصورها بعض الاميريين.
على الاميريكيين ان يصغوا جيداً لصوت الشارع العربي وليس لصوت بعض الانظمة والا سيستمر هذا الشارع في توليد الحركات الثورية طالما ان هناك قضية معلقة هي قضية فلسطين.