وتستمر مسيرة الإنجازات التي يحققها أبطال الجيش العربي السوري وقوى محور المقاومة، الهدف تطهير الأرض السورية من رجس الإرهاب وبقية العصابات المسلحة، تلك التي وضعت نفسها في خدمة المشاريع الهدامة الأميركية والصهيونية وأدواتها في المنطقة.
ومن حمص الى حلب وتدمر ودير الزور وغوطة دمشق تستمر محصلة ما يتحقق من هزائم الإرهاب وبشكل متوازٍ بين ما يحققه الجيش العربي السوري في الميدان وما تكمله استراتيجية التفاوض التي تقوم على استسلام المسلحين الذين إرتضوا خدمة الأجندات المشبوهة، ومن ثم نقلهم بإتجاه إدلب حيث المحطة الأخيرة التي ستقودهم الى الجحيم وبئس المصير.
وفي محافظة درعا جنوباً يتقدم الجيش العربي السوري بشكل متسارع حيث إنضمت عشرات القرى لسلطة الدولة وقررت عناصر مسلحة تسوية أوضاعها، والوضع على الأرض لم يعد في صالح المسلحين بعد أن تخلى عنهم مشغليهم وداعميهم وأبلغوهم بأنهم لن يتدخلوا لحمايتهم، وأغلقت الحدود من جهة الأردن بالكامل وبدأ الجيش في السيطرة على المعابر مع الأردن، ودرعا بدأت تعود الى حضن الوطن، وما بعد درعا بدأ يلوح في الأفق القريب والتوجه سيكون بإتجاه شرق الفرات وإدلب.
والمعادلة الفاعلة هي معادلة اليقين أن لا حلول إلا تحت راية السيادة السورية والقانون، أما المعارضة المرتهنة للخارج وقوى إقليمية التي أشعلت النيران، فهي لم تحقق إلا الخراب ولا تملك ولو نتيجة واحدة تطفئ بها فتيل حرب أشعلتها وامتدت النيران لتطال المنطقة بأكملها.
السؤال اليوم، وماذا بعد وما هي الحلول؟
الكلمة الفصل التي تتعلق في حياة السوريين حاضراً ومستقبلاً، أصبحت واضحة ولا تقبل التأويل وهي المعبرة عن إرادة وسيادة الشعب السوري، وهي الشرعية والمخولة الأساس التي يحق لها التعبير عن الآمال والتطلعات ورغبات الشعب وإتخاذ القرارات والتي تحقق الإنجازات في الميدان. أما أولئك الذين تورطوا في خلق الحرب ومعاداة سوريا حكومة وشعباً، وراهنوا وخططوا جاهدين لتركيع سوريا لم يعد لهم وجود بعد أن سقطت المؤامرة وفشلت الحرب، وتساقطت أوراق ما يسمى معارضة، ولم يبقِ سوى ورقة واحدة يمكنهم الإستفادة منها وهو عفو صادر عن رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد لإعادتهم الى حضن الوطن تحت سيادة القانون والدولة.
وفي مجال الجهود الدولية والإقليمية التي تبذل لتفعيل نتائج مؤتمر سوتشي للحوار الوطني، إستجابت الحكومة السورية لتشكيل اللجنة الدستورية وتم الوفاء بالإلتزامات بعد أن تمّت المصادقة عليها خلال الحوار الوطني في سوتشي، وهذا هو خيار الدولة السورية، أما تأخر مجموعة المعارضات حتى الآن وذلك لأنها مرتبطة بأجندات وإرادات لدول مختلفة.
وتشكيل اللجنة الدستورية هي الحدث الأبرز على الساحتين المحلية والدولية لأهميتها في إعادة ضبط مسار العملية السياسية، بعد أن حققت العملية العسكرية الأرضية الثابتة للسير بقوة المفاوضات السياسية، وأن أهم ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر سوتشي في كانون الثاني 2018 هو التأكيد على سيادة ووحدة الأراضي السورية.
وفي آلية عمل اللجنة الدستورية، التأليف ثم إعادة صياغة الدستور السوري في إطار التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وعندما تتوصل اللجنة الدستورية بشأن تعديل معين سترفع توصية الى مؤتمر سوتشي الذي بدوره سيقرّها ويرفعها الى الحكومة السورية، لكي تقوم بما يلزم لإقرارها في مجلس الشعب وفق الدستور الحالي (دستور 2012).
أما عن الأهداف الأميركية ومنها التكتيكية والبعيدة المدى، يلاحظ في كل مرة تتجه فيها الحرب في سوريا الى النهاية، نجد الأميركي والإسرائيلي يتدخل بشكل مباشر لإعطاء جرعة إنعاش لمشغليهم وتشهد على ذلك الإعتداءات المتكررة التي قام العدو الإسرائيلي والعدوان الثلاثي الغادر على سوريا، والهدف إطالة زمن الحرب ومحاولة إستنزاف القدرات السورية ومحور المقاومة.
لكن الإنتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وتحرير معظم الأراضي السورية من رجس الإرهاب التكفيري، جعل الأميركي يناور من خلال تصريحات ترامب وعدوانه وإنشاء القواعد العسكرية اللاشرعية ودعمها اللامحدود لقوات (قسد) الكردية ومحاولة تكريس فكرة الفدرالية واللامركزية والعمل على ترسيخ بعض المصطلحات المبنية على الفكر التقسيمي (كغرب الفرات وشرقه) أي العمل من خلال الأذهان لتقسيم سوريا وتمزيقها وتمرير مشروعهم الذي عجزت عنه “داعش” و”القاعدة”.
ويبدو أن الأميركي في وادٍ والعالم كله في وادِ آخر، إذ أعلن المبعوث الأممي الخاص الى سوريا ستيفان دي ميستورا عقب لقائه في جنيف مع ممثلي الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا (التوصل الى بعض التفاهم)، وهذا يعطي ضوء على المسار السياسي وإنهاء الحرب يلوح في الأفق.
وهذا أيضاً، ما تمّ الإتفاق عليه في اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي مؤخراً، وقول الرئيس الأسد “أن سوريا تولي الإهتمام الكبير للعملية السياسية التي تعيقها سياسات بعض الدول الإقليمية والدولية كأميركا والسعودية لإطالة الحرب في المنطقة وتحقيق الأهداف الصهيو – سعودية في حل وهدم محور المقاومة وزوال أي عدو للكيان الصهيوني في المنطقة”.
ومع هزيمة المشروع الأميركي في المنطقة بدأ يخسر أهدافه المحتملة وأدواته تخسر باستمرار وأصبحت عبئاً عليه، والموقف السياسي في صالح محور المقاومة ولا حلول في الأفق إلا تحت السيادة السورية والقانون.
لذلك معركة الجنوب اليوم في محافظة درعا وما حولها، هي قرار سيادي، يقابلها في الجانب الآخر مخاوف أميركية من مقاومة شاملة في المنطقة، وهذا يقودنا الى التالي: ما تبديه واشنطن هو عكس نواياها تجاه أي ملف، وهي هذه المرة تخلّت عن دعم مسلحي الجنوب لأنها تعلم، أن مسألة حسم معركة الجنوب أتّخذ ومن العبث دعم مسلحي درعا الذين يخسرون، وهذا الأمر مجرد مناورة، ولا يمكن أن تتخلى واشنطن عن ثكنتها الكيان الصهيوني.
والأميركي بدأ ينظر في النهايات المتوقعة ولكنه لا يعلن ذلك ويريد التركيز على جهة الشرق السوري ومناطق تواجد قواعده، وهو بصدد الإتفاق مع الروسي لسحب القوات الأميركية من سوريا بعد أن فشل مشروعه وهو يرى هزيمة الجماعات الإرهابية، أدواته في المنطقة، وفشل أيضاً مشروع إنشاء الحزام الأمني مع فلسطين المحتلة وكيان الإحتلال، ويقابل ذلك إنتصار سوريا والحلفاء.
إن تحرير الجنوب السوري، يمهّد لمرحلة مفصلية في تاريخ الحرب السورية، ويُدخل المنطقة في مرحلة جديدة، ومجرد إعلان الرئيس الأميركي ترامب عن أي إتفاق مع الرئيس الروسي بوتين، سيكون في جدوله الإنسحاب، ولا تهتم الولايات المتحدة بمصير الجماعات الإرهابية المسلحة في الجنوب السوري، بل الأمن القومي للكيان الصهيوني، ورأينا كيف كانت التهديدات الأميركية توجه للقوات السورية في حال تقدمها في الجنوب السوري بإتجاه الجماعات المسلحة، لكن المعادلة تغيّرت ومعها التصريحات الأميركية.
وخلاصة، يريد الأميركي الإنسحاب من سوريا، لكنه ينظر بعين الإعتبار الى المناطق الشرقية وعينه على عملية إبتزاز كبرى وهو القائل: “بأن هناك عدة دول عربية غنية في المنطقة ويجب أن يدفعوا للتواجد الأميركي”.
والأميركي لم يتدخل في معركة جنوب سوريا، ليس احتراماً للسيادة السورية بل تفادياً للمواجهة التي لا يريدها ويعرف تبعاتها، وهو يعرف أن استقرار الوضع في الجنوب لن يتحقق ما بقيت قاعدة التنف، والكيان الصهيوني سلم بالعجز عن منع المسار الذي فرضته الدولة السورية.
وواشنطن تعرف أنها لا تستطيع فعل الشيء نفسه في الشمال دون أن تظهر هزيمتها واضحة وفجة إلا إذا استبقت معارك الشمال بتفاهمات سياسية ومنها ما يتصل بالمصالح الأميركية من خلال تفاهمات مع روسيا.
لذلك إن قمة هلسنكي بين الرئيسين الروسي بوتين ونظيره الأميركي ترامب ستكون نتاج مباشر للحسم المتسارع الذي يقوم به الجيش العربي السوري، ونحن أمام إنتصار كبير لحظة نهوض سوريا ومحور المقاومة.