قبل أيام حلت ذكرى رحيل المفكر العربي مازن يوسف صباغ . قليلون هم الذين انتبهوا إلى هذه اللحظة، ليس لأنها واجب أو ضرورة، بل لأن طبيعة المرحلة تستدعيها.
كان مازن صباغ ، أكثر جرأة بين الكتاب السوريين والعرب في اختيار فكر الحداثة والتنوير وفي نقد الفكر العربي السائد ليس في الشعر والأدب فقط، بل في الفكر والسياسة والتاريخ. لم يكتف صباغ ، بالكتابة في هذه المجالات فقط، أو حين اختار أن يكون «أكاديميا»، كما يتخفى الكثيرون وراء هذه الصفة دون غيرها، فهو كتب في السياسة وشارك فيها بالفعل، وكانت السياسة وبالا عليه، في أكثر من مناسبة، كما يقال؛ فهو كان حين يكتب في موضوع ما، يكتب بنفس قناعاته أو اختياراته التي لم يتنازل عنها أو يتنكر لها.
لم يكن صباغ نائبا دون مشروع، فهو دخل مجلس الشعب السوري وفي يده مشروع سياسي متنور متكامل، وقد دافع عن مشروعه هذا، بروح قتالية لم تعد موجودة اليوم في كثير ممن يقبلون المناصب، دون شروط، أو يفتقرون إلى بعد النظر، رغم ما يملكونه من معرفة أو من أفكار، يتركونها خلفهم ويكتفون بالمناصب.لكن السياسة لم تشغله عن الثقافة، وإن كان شغفه بالحياة والرغبة في أن يعيشها بجوارحه جميعاً قد خالط ذلك وحدد له المسار.
لقد مثلت سوريا عند صباغ قلعة عروبية لانها لم تغادر المقاومة بل وظفتها في خدمة المشروع القومي في المنطقة، وكان قلم مازن صباغ سيفا من سيوف هذه القلعة.
لقد اندفع صباغ يشرب من منابع العروبة أكثر فأكثر فكان فوارا في الكشف عن حقب تاريخية بني على اساسها مصير العرب في منطقة تحفل بالصراعات والمآسي وفي طليعتها احتلال فلسطين وفيها اضاءات شخصية اناس مقاومين وسياسيين اختزنوا الرغبة العارمة بالتغيير مع طموح إلى الجديد والمتميز والأكثر تميزاً في عالم السياسة المقاومة .
لم يكن صباغ يوما مهادنا ولا مراوغا، فهو حرص على أن يقول ما ينبغي أن يقال، وبنفس أفق الفكر الذي شغله وبنفس رؤيته النقدية التي لم يتنازل عنها، رغم ما تعرض له من مشاكل ومضايقات ؛ فهو كان صاحب فكر، مما أهله ليحظى باحترام الشعب السوري .
لقد رحل مازن صباغ وقلبه مجروح على سوريا فجاءت رسالته عاصفة وقوية، تسير وفق رؤيته كمثقف انحاز إلى الشعب، في مواجهة المتآمرين على قلعة العروبة.