واجه الشعب الفلسطيني الإستعمار الصهيوني الإستيطاني عبر تاريخه الطويل، ولم تتوقف إنتفاضاته وهي ثورات متتالية وهو يواجه أعتى أنواع الإستعمار الإجلائي الذي يهدف الى السيطرة على الأرض وتهجير السكان الأصليين من أصحاب الأرض.
وفي حين ارتكب العدو المجازر البشعة لتصفية قضية الشعب الفلسطيني ولترهيبه وتهجيره من أرضه، إستمر نضال الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين المحتلة وخارجها واستخدم شتّى السبل وعلى كافة الأصعدة من أجل تثبيت حقّه في أرضه وترسيخ إنتمائه لأمته، وجوهر الصراع في الوطن بين الشعب الفلسطيني صاحب الأرض وبين المستوطنين الصهاينة على العلاقة برقعة الأرض الفلسطينية نفسها.
وسعى الصهاينة وما انفكوا الى استكمال عملية إجلاء هذا الشعب عن أرضه، ومازال الصراع محتدماً منذ حوالي قرن من الزمن، والكيان الصهيوني يمعن في العمل على تجسيد مشروعه بمواصلة استيطانه وتهويد الأرض.
أثبتت الأحداث عقم ما يسمى “مفاوضات سلام” وهي مجرد مسرحية من الإتفاقيات والمؤتمرات مثل أوسلو وأنابوليس وما بعدها، فهي محاولات مكشوفة يقوم بها العدو ومَن يدعمه لكسب المزيد من الوقت لتهويد الأرض واستكمال مشروعه في ترحيل مَن بقي من الفلسطينيين على أرضهم التاريخية.
ويستمر شعبنا الفلسطيني في ثورته المتجددة وهدفه التحرير والعودة، وما تشهده القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة من إنتفاضة مستمرة في مواجهة المحتل ما هي إلا دليلاً على استمرار راية الكفاح حتى النصر.
وفي الذكرى السنوية الثانية لإنتفاضة “الأقصى”، إنطلقت إنتفاضة فلسطينية ثالثة، أطلقها شعبنا المناضل بحسه الوطني واستعداده للتضحية ولحماية مقدساته والتمسك بأرضه، وهي حلقة في سلسلة طويلة من العمل المستمر لإبقاء القضية حية في نفوس الجماهير الفلسطينية والعربية، وهي أيضاً تأتي ردّاً أولياً مباشراً على مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وحكومة النازيين الجدد وردّا على وزير التعليم المستوطن نفتالي بنيت الذي دعا الى “إبادة الفلسطينيين” ووزير الزراعة الإسرائيلي أوري أرييل، وهو من حزب ديني إرهابي، زار الحرم الشريف مرة بعد مرة وتحدث عن “بناء هيكل ثالث” والبحث في الخرافات، وفي الواقع هناك الحرم الشريف وفيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.
والتحريض الإعلامي الذي يقوم به العدو من فلسطين المحتلة الى الولايات المتحدة مسؤول بالتساوي مع حكومة العدو الصهيوني عن قتل أطفال فلسطين وشبابها، وليس صدفة أن يتحدّث الإعلام الأميركي – المتصهين: “أن “إسرائيل” على بعد عملية إرهابية واحدة من خوض عملية “درع واقية” أخرى، وهذا ما تحدثت به صحيفة “جيروزاليم بوست” المتطرفة التي يملكها ليكودي أميركي، وتدّعي صحيفة أميركية أخرى هي “نيويورك تايمز”: “أن اليقين التاريخي يستعصي في أقدس أماكن القدس” وهذا كذب واضح، لأن اليقين هو الحرم الشريف والكذب هو الهيكل.
وهل هناك أشد صفاقة من صحيفة “نيويورك تايمز” عندما تكتب “الولايات المتحدة تقول إنها تعتبر أعمال العنف ضد “إسرائيل” إرهاباً”، ورغم ذلك عملت الولايات المتحدة وخلال عقود على رعاية “عملية سلام” بذريعة البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية، والسؤال، وماذا كانت النتائج؟
عملت الولايات المتحدة من أجل نهاية فعالة للمقاطعة الإقتصادية العربية لـ “إسرائيل” كبداية لفرض التطبيع العلني أو من خلال الصفقات الثنائية أو المتعددة الأطراف، وعملت واشنطن على تحييد الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة فيما يخص القضية الفلسطينية، وصارت الولايات المتحدة تعارض بشكل روتيني القرارات والبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تتناول قضايا الوضع النهائي حسب إتفاق أوسلو 1993.
وتبنّت الولايات المتحدة عملياً موقفاً مفاده، أن إتفاق “إسرائيل” مع منظمة التحرير يُخرج الصراع فعلياً من الساحات التي مكّنت الشعب الفلسطيني من إثبات الوجود بنظر الرأي العام الدولي ومبادئ القانون، وبنفس الوقت حرمت الشعب الفلسطيني من التأييد من خلال الضغط المستمر على الدول والمؤسسات الدولية التي ساهمت نسبياً في تقديم العون المعنوي أو ما يلزم كمسكنات دون تقديم العلاج المناسب لقضية فلسطينية، عمرها أكبر من عمر الدول التي تدور في الفلك الأميركي.
لقد كان الإنجاز لعملية أوسلو 1993 من منظور الولايات المتحدة الإستراتيجي، هو أن العملية حققت جميع أغراضها ومنه نهاية الصراع بين الدول العربية و”إسرائيل” وحققت إنجازاً استراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة والخليج، وبذلك كانت أوسلو ضربة قاسية لنضالات الشعب الفلسطيني الهادفة الى التحرير والعودة.
لكن الشعب الفلسطيني الأبيّ وكما عوّدنا، هو صانع الثورة بإنتفاضاتها وهبّاتها ولن يستكين لمغتصب، هو اليوم يتقدم الصفوف في صموده ومقاومته وهو يواجه آلة القتل الإسرائيلية التي شنّت هجمات متواصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة واستخدمت الرصاص الحي وباشرت بقصف المناطق المأهولة وتنفيذ الإعتقالات وهدم المنازل وحصار المناطق وإقامة المئات من الحواجز بهدف شل الحياة العادية في فلسطين.
ويواجه شعبنا الفلسطيني المحتل الصهيوني بإرادته وإيمانه بعدالة قضيته وبما يملك من رسائل الدفاع عن النفس من الحجر الى السكين، وهو بصموده هذا يؤكّد مرة أخرى، أنه قادر على إبقاء قضيته حية في نفوس الجماهير مهما عظمت التضحيات.
إن التصدي البطولي الذي أبداه أبناء شعبنا الفلسطيني في مواجهة قطعان المستوطنين والرد المتعاظم على إجرامهم هو دليل قاطع، بأن مع هذا الشعب الثائر تنتقل الإنتفاضة المستمرة التي تسري في عروقه من جيل الى جيل، ويبقى هدفه ثابتاً واضحاً لا يتغيّر: التحرير والعودة بوصلة الشعب الفلسطيني ومسار نضاله ثابت لا يتغيّر مهما كانت الصعوبات، وهو اليوم يقدم مثالاً في تصديه للغزاة الصهاينة.
ومشاهد البطولات التي يسطرها شعبنا الفلسطيني بكافة فئاته العمرية وخاصة جيل الشباب، فهي تبعث في النفوس الثقة والأمل، بأن جميع التسويات والمؤتمرات التي فرّطت بحقوقه لا يمكن أن تلغي حقاً مقدساً، وقدرة شعبنا على اجتراح الحلول المناسبة لإستمرار نضاله المشروع لإسترداد حقه لا يمكن لأحد إيقافها وهي قضية حق وعدل رغم ظلم المجتمع الدولي.
إن شعبنا الذي قدم التضحيات ومازال مستمراً في كفاحه، لقادر على الإستمرار في إنتفاضته المجيدة وثورته المتجددة بروح الشباب حتى دحر الإحتلال الصهيوني عن أرضه، وهو يأمل من كل الأشقاء المساهمة في معركة التحرير لأنها قضية الأمة بأسرها وهي بوصلة الأحرار في العالم أجمع، وهي طريق العزة والكرامة وأقصر الطرق للوصول الى الحق والعدل ودحر العدوان.