ما بين الإنتخابات البرلمانية التركية في السابع من حزيران الماضي وانتخابات الأول من تشرين الثاني 2015، فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الخمسة أشهر، واختلاف نتائج الإنتخابات في الحالتين مردّه الى أسباب لحظية ولا يعكس حقيقة الوضع الداخلي ومضامينه السياسية
خلال هذه الفترة تمكّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومعه حزبه “العدالة والتنمية” من خلق أجواء داخلية سلبية وخطيرة للغاية، عكست نفسها على الواقع التركي المأزوم، وكان هناك مجموعة من الإجراءات والرسائل الضمنية التي زرعت الخوف في كافة الإتجاهات وأعطت نتائجها المرادة، يومها قال أردوغان وبشكل علني “أعطوني أصواتكم بقوة، أعد إليكم الإستقرار”، وفترة خمسة أشهر كانت كافية بكل ما حملته من ترهيب سياسي وخلال هذه المدة، تبدّلت الأحداث وآليات الصراع الداخلي، سياسياً وأمنياً، وقادت الى مستويات من الخوف، تمّ ترجمتها من خلال الممارسة باستهداف الكرد في تركيا وخارجها، مثل العمليات الجوية التي استهدفت مواقع حزب “العمال الكردستاني” وحفلات التفجير المرعبة، وجميعها رسائل تحمل مضامين انعكست في صناديق الإقتراع، ومفادها عبّرت عن حكومة “العدالة والتنمية” بشعار “نحن أو الفوضى”، وماداموا لم يمنحوا الحزب ما كان يطمح به من أغلبية تتيح له الذهاب منفرداً نحو تشكيل حكومة. وتصرفت حكومة أردوغان في الإنتخابات الأخيرة وكأنها تقول لمؤيديها وخصومها “هذه فرصتكم الثانية”، وسعى أردوغان مع حلفائه في الناتو والدول الأوروبية لإيصال رسائل للناخب التركي، بأن هناك تسهيلات ستقدم الى الأتراك تسمح لهم بدخول أوروبا بتسهيلات أفضل مقابل منع أو الحد من تدفق المهاجرين الى أوروبا، وهذا ما أثر على نسبة أصوات الناخبين لصالح حزب “العدالة والتنمية”.
وفي ظل هذا الخوف السياسي الذي خيّم فوق رؤوس أكثر من 500 مليون ناخب تركي لإختيار 550 نائياً، أنتج حصاداً اختلطت فيه الأوراق، بعد أن تمّ إيقاظ الإرهاب ووصول رسائله الى جنوب شرق تركيا وتلقى الناخبون الرسالة المختصرة “الإستقرار مهدد”، وصوّت حوالي 48 مليون ناخب، نال حزب “العدالة والتنمية” 49,38 %، والشعب الجمهوري 25,41 % وحزب “الحركة القومية” 11,94 %، وحزب “الشعوب الديمقراطي” 10,69 %.
نتائج الإنتخابات أعطت حزب “العدالة والتنمية” 316 نائباً بعدما كان له 256 نائباً في حزيران الماضي، وهذا ما يمكّنه من تشكيل الحكومة منفرداً، وأسفرت عن تراجع مقاعد حزب “الشعوب الديمقراطي” الممثل للأكراد بـ 21 مقعداً برلمانياً مقارنة بإنتخابات حزيران الماضي، وفقد حزب “الحركة القومية” 39 مقعداً.
أما تداعيات تلك النتائج فقد أدخلت تركيا في تحولات جديدة، بسبب ما تتضمنه من تناقضات داخلية واختلاف في الرؤى بين المكونات، وتوازنات برلمانية ستكون محفوفة بالمخاطر، وستفتح الباب أمام الأسئلة الكبرى بسبب ما تحمله النتائج من أخطار وإنقسامات سياسية وعرقية وإيديولوجية وامتداداتها في المنطقة.
وبكل تأكيد، فإن التموضع الجديد لأردوغان وحزبه ومساحة التحرك الداخلي والخارجي، كلها مؤشرات تفيد بأن الوصول الى أهدافه أمامها عقبات كبيرة، ومنها ردات الفعل التي ستأتي متناسبة مع معادلة الخوف والترهيب التي حاول فرضها وهي مقدمات لتزايد حدة الأزمة الداخلية وليس الوصول الى “الخلافة” ولو أدّت الى مزيد من القتل والتدمير، والصراع سيبقى مفتوحاً على كافة الإحتمالات.