في التدقيق في الخلاف بين الحركات الإرهابية، تبيّن أن مستوى التباين لا يتعدى الأمور الشكلية، أما في الجوهر فهي متماثلة الى حد التطابق.
وإذا فرضنا جدلاً كما يفعل البعض والقول بأن هناك اختلافات نوعية بين تلك الحركات فهذا يجافي المنطق والوقائع الموضوعية، ومَن يحاول تسويق فكرة الإختلاف فيما بينها، إنما يرمي من وراء ذلك، نزع صفة التطرف عنها أو عن إحداها وتهيئة المسرح لإعطائها صفة وطنية ومحاولة زرعها لاحقاً في نسيج المجتمع بعد إعادة ترتيبه كما يبغي المخرج، إنه سيناريو مشابه تماماً لما يجري على أرض الواقع وفي الميدان.
وفي التحديد، إن دور الحركات الإرهابية في هذا المجال مرتبط في سياق سياسات دولية وإقليمية ولا يختلف عن دور “الكومبارس” أو الدور الوظيفي في اللعبة الدموية، من هنا فإن أي تغييرات تتعلق في المواقف الدولية والإقليمية ستنعكس حكماً على أوضاع تلك المجموعات الإرهابية.
ومن دون الدخول في التفاصيل، وإذا ما أخذنا الأزمة السورية كمثال، فإن المجموعات المسلحة والإرهابية وما يسمى منها “معتدلاً” تجاوزاً، لن تكون بمنأى عن الحركات والتجاذبات الدولية والإقليمية، ذلك أن دعم تلك المجموعات إنما يحدد من خلال دور وظيفي مرحلي، من هنا نرى نشوء وتلاشي وسرعة دوران الحركات الإرهابية تحت ضغط التحولات الميدانية والمواجهات فيما بينها أو بنتيجة الضربات التي تتلقاها من نيران الجيش السوري وقوى الدفاع الوطني، أو بتأثير المواقف والتحالفات الدولية، وما يتبعه من خطوة لإحدى المجموعات الإرهابية من قبل دول بعينها لتحقيق مآربها ومشاريعها.
وما يميّز المجموعات الإرهابية ومنها “داعش”، إمتلاكها لدور وظيفي يحقق مصالح الدول الداعمة لها، وهي أيضاً تفتقر للمنطلقات والأسس الوطنية وبعيدة كل البعد عن أي شرعية شعبية، بل العكس من ذلك فهي تعمل على ضرب أي تحولات وطنية وتحاول فرض نموذج عقائدي آحادي يكفر الآخر ويهدر دمه.
إن القضاء على المجموعات الإرهابية وحده لن يكفي لتحقيق الأمن والإستقرار في أي بقعة في الإقليم، ويجب البحث والتدقيق في مواقف وتصرفات الحكومات الإقليمية والدول الداعمة التي تستخدم الإرهاب مدخلاً الى تحقيق مشاريعها السياسية، مثل تغيير الخرائط الجيوسياسية والقضاء على الجيوش العربية وتدمير عوامل القوة الكامنة في دول محددة ويتم استهدافها.
ومن هنا يمكن القول، إن الدول الداعمة للإرهاب لن تحرك ساكناً ولن تقوم بأي دور حقيقي لمحاربة الإرهاب لأنها مَن صنعته لإنجاز مهام معينة، فإذا أنجز مهامه عندها ستعمل على التخلص منه أو إذا عجز عن تحقيق أهدافها بشكل كامل، ولأن ما يجري له أبعاد هدفها، إعادة توضيب من منظور المصالح الإستراتيجية لقوى إقليمية ودولية كبرى.
إن ما تقوم به المجموعات الإرهابية ومهما بلغت من قوة ودعم مموليها، لن تستطيع تحقيق أي إنجاز حقيقي، فهي أنشئت من أجل هدف تدميري بحكم تكوينها وتخلفها ودورها، ويستدل على ذلك في المناطق التي تواجدت بها وما فعلته من فظائع وهمجية، وهي بدأت تخرج عن إرادة الدول الممولة بعد أن فشلت في تحقيق الأجندات المنوطة بها، وبدأت تناقضاتها الداخلية تفعل فعلها، والمعادلة القائمة تعني استمرار الصراع وربما تحويل مجراه ليأخذ أبعاداً جديدة من خلال حالة الخلط المستمر وإدخال مكونات إجتماعية تحت عناوين طائفية ومذهبية، وليتم استخدامها كأدوات اشتعال وظيفية.
نقول، إن القضاء على المجموعات الإرهابية التكفيرية بأنواعها، يشكل مدخلاً الى إنهاء الصراع في المنطقة، لكن السؤال الملح يتعلق بمواقف الدول الداعمة للإرهاب، فهل حانت ساعة محاربة الإرهاب لديهم؟ أم أن الأمور تنتظر توافقاً دولياً يرتبط بالتوازنات والمصالح على المستوى الإقليمي والدولي؟!