تتعرض المنطقة الى مخاطر شتى لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، وتتعدد وجوة هذه الهجمة لكن النتيجة واحدة، المنطقة العربية على فوهة بركان أكثر خطورة، والصراعت وصلت الى دوائر صغيرة في بنية المجتمع، فلم تعد الصراعات ذات طابع مذهبي فقط، بعد أن وجدت مَن يغذيها ويزيد من حجم اشتعال النيران، لم يعد أحد في ظل الكارثة، والجميع مستهدف، المواطن العربي في تاريخه وحاضره ومستقبله، يطلبون منه أن ينكر ذاته ويتحول الى مجرد أداة في لعبة كبيرة، تمسك خيوطها دول الغرب الإستعماري.
لم يأتِ تنظيم “داعش” الإرهابي صدفة، والمواقف المتطرفة التي لبست لبوس الدين، وهي عبارة عن جرائم وحشية هدفها الإنقطاع عن العالم المعاصر بحضارته والعودة الى عصور ما قبل الدولة، من خلال عملية تدمير شامل مبرمجة وإبقاء الصراع مفتوح بحيث يعيد الدول الإستعمارية الطامعة الى المنطقة “كمنقذ” بهدف القضاء على الظاهرة الجديدة وهي في حقيقة الأمر مَن ساهمت بصنعها وسمحت لها بالنمو من أجل تحقيق مآربها من منطقتنا.
أراد أعداء أمتنا تحقيق أهدافهم من خلال إعادة رسم خريطة المنطقة بما يتلائم مع مصالحهم وحاجاتهم، لكنهم لم يحققوا هدفهم رغم حجم الدمار والتخريب، وذلك بفضل إرادة الصمود والمقاومة والتضحيات الكبيرة التي تغذت بإرادة وعزم وتصميم، ثم إحتواء الهجمة البربرية وانقلب السحر على الساحر، إختلطت الأوراق بغير ما يشتهمون، وسقط بيان جنيف الأول الصادر في حزيران 2012 بتفسيراته السيئة تلك التي أرادها صانعوه ومَن حاولوا تسويقه والمعروفة بأسلوب “من فوق إلى تحت”، أي أنهم أرادوا ضرب رأس الدولة السورية، وفشلوا بسبب صمود سوريا ومقاومتها.
اليوم تغيّرت المعطيات على الأرض، وجاء المبعوث الدولي الجديد “ستيفان دي ميستورا” وفي جعبته أسلوباً مناقضاً، ويتحدث عن إتفاقات وقف النار والحديث عن المصالحات والإدارات المحلية وإنتهاء بحل سياسي ومقاربة إستراتيجية لإنهاء الصراع بسلسلة من الخطوات البراغماتية بعد الإتفاق على إتفاق إطار، ونحن الآن أمام مقاربة سورية للحل والحوار والمنهج والتنفيذ، أما البديل سيكون هو النتيجة التي سترسو عليها “الحرب الدولية والمحلية” على “داعش” و”النصرة” وأخواتها وهي استمرار الحالة الراهنة وهي غير مضمونة النتائج بالنسبة “للتحالف الدولي” والخاسر الأكبر أبناء الأرض وزيادة المخاطر المحدقة بالمنطقة بأسرها.
الحوار سيكون المدخل، وتجميد الصراع وبقاء الدولة بكل مؤسساتها ورأسها وجيشها الباسل والتمسك بالمصالحات الوطنية في مختلف المناطق السورية، والشروط السورية كانت واضحة ووضعت على الطاولة مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة “ستيفان دي ميستورا”، وهي تتضمن أمرين: العمل مع الدول الإقليمية لوقف تمويل المعارضة وتسليحها، وتنفيذ القرارين 2170 و 2178 الخاصين بمحاصرة “داعش” و”جبهة النصرة” وتجفيف منابع الإرهاب.
ويبدو أن الجانب الأميركي يريد مسارعة الخطى قبل انكشاف مدى هشاشة التحالف الذي يقوده، وهذا ما دفع “دي ميستورا” لإبلاغ الجانب السوري بأن “الأميركيين في جيبي”، وخرج من دمشق راضياً عن دعمها إقتراح “تجميد الصراع” ودراسة أفكاره ومبادرته للحل.
ويرى مراقبون، بأن واشنطن تعمل وفق سكّتين، من جهة تتحدث عن تدريب وتسليح “المعارضة”، ووصلت إلى نقاشات تفصيلية حول اقتراح تركيا إقامة مناطق آمنة ومنطقة حظر جوي من دون وجود قرار سياسي من إدراة الرئيس باراك أوباما، مع توقع أن يقر الكونغرس تمويل برنامج التسليح وتخريج نحو 20 ألف مسلح، وأما السكة الثانية، فهي إعطاء الفرصة لمشروع “دي ميستورا” مع إنتظار التفاصيل النهائية ضمن سياق أوسع له علاقة بتوسيع الخيارات في المنطقة وإنتظار المحادثات مع إيران إزاء الملف النووي.
ومن ناحية أخرى يعمل الجانب الروسي على توسيع مروحة إتصالاته مع “المعارضة” وأطيافها، واستمرار الإتصالات الرسمية مع المسؤولين ضمن مساعي لقيادة مبادرة جديدة في سوريا وصولاً إلى “موسكوا” وسياق جنيف حسب الرؤية الروسية.
نقول بالتأكيد، إن حل الأزمة السورية، سيكون بزوال الأسباب الحقيقية التي دفعت إليها، سقطت المؤامرة والحرب الدولية الإستعمارية وأدواتها في المنطقة العربية والمحلية، وانتصرت سوريا ومعها محور المقاومة على الإرهاب وصانعيه، ونحن اليوم أمام ملامح جديدة لرسم خريطة طريق عنوانها قطع دابر الإرهاب وعودة الإستقرار الى المنطقة، وإلا فإن تداعيات الأزمة سترتد على مَن أشعل فتيلها وهيأ الفرص لإستمرارها وكان هدفهم إستهداف سوريا وما تمثله، لكن إتجاه الرياح تغيّرت بغير ما يشتهي أعداء سوريا.