كان لافتا ظهور أمير “الدولة الإسلامية”، أو الخليفة البغدادي من خلال الفيديو الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي كخطبة جمعة، حملت الكثير من الدلائل والاشارات التي تنذر بمرحلة عصيبة على عدد من البلدان العربية والخليجية.
كان ظهور البغدادي متقنا لجهة الإخراج والتصوير السينمائي الواضح حيث بدا الرجل بلباسه المتقن الذي يتناسب مع ثياب “خليفة المسلمين” محاولا اضفاء قدراً هائلاً من “المهابة” على نفسه بارتدائه عباءة وعمامة سوداوين…
اراد البغدادي مخاطبة الأمة، طالباً منها السمع والطاعة، مستعرضا “برنامج” عمله للمرحلة المقبلة الذي لم يتخط بضعة كلمات: تحكيم شرع الله!
اختار البغدادي الجمعة من شهر رمضان المبارك ليعلم اهل العراق والشام ومن خلفهما جموع المسلمين في العالم بأن نجم خلافته سطع وان فجر “داعش” قد عاد ليشرق على الامة .اما من ناحية خطبته ، فهي لم تحمل جديدا من حيث الموقف، اللهم سوى محاكاة الرجل لأبي بكر الصديق في خطبة توليه الخلافة ، فضلا عن تأكيده على نهج الجهاد بعد الاعلان عن قيام الخلافة الاسلامية التي تحفظ على قيامها مرجعيات اسلامية إن كان في العراق أم سوريا،او في الدول الخليجية الذي غمز منها البغدادي متوعدا انظمتها بسطوة دباباته وجنوده الغيارى على المسلمين !
لقد تحدث البغدادي عن كل شيء، باستثناء فلسطين، وهذا يعني بأن “داعش” مؤهلة لقتل اي احد باستثناء “الاسرائيليين” الذين يحتلون الارض ويدنسون المحرمات ويعتدون على المقدسات في فلسطين المحتلة.
ما نريد قوله اليوم ان علينا التنبه بعد اطلالة البغدادي التي تقف وراءه رؤوسا خفية هي التي تدير اللعبة الكبرى في المنطقة ، ونتعجب لتعلق البعض بأي انتصار حتى لو كان قتل ارملة او طفل او مسن او عسكري ، لمجرد تكفيرهم، من جانب جماعة الغدادي الذين لايعرفون فعليا، في بئر من يصبون مياه خدماتهم؟!.
ألا يكفينا ادراكا لهذه المسرحية الدموية المدارة جيدة، وبعد هذه النتائج الاولية من بث الاضطراب في بلدان “الربيع العربي” ، ورفع منسوب القتل والاقتتال، وتشويه سمعة المسلمين، وتحييد “اسرائيل” من المواجهة؟
المثير للغثيان هنا تورط شخصيات اسلامية في هذه اللعبة ودخولها على خط الفتوى للافتاء بعدم شرعية هذه الخليفة، واحزاب تعلن انها لن تبايع الخليفة، وهكذا تتواصل المشاحنات المرسومة بدقة في سياق اشعال الفتنة في المنطقة، واذكاء الحرب فيها، وتشويه سمعة المسلمين، باعتبارهم اما “دواعش” او انصار دواعش؟!.
والى من يزعم بأنه يحمل اليوم فكر دولة الخلافة، نتوجه اليه بسؤالنا: لماذا سقطت هذه الدولة، ولماذا لم تستمر في الوجود؟ هل يتوهم البغدادي بأن تلك الدولة ظهرت بفضل جهاد المسلمين، وأن عليه أن يجاهد ليعيد إقامة هذه الدولة؟! .هناك من يرى من العلماء المسلمين بأن دولة الخلافة لم تكن سوى خدعة، فبعد انتهاء عصر الراشديين، تحول الحكم إلى ملك عضوض أيام الأمويين والعباسيين، لكن ما لبثت العناصر غير العربية أن غلبت على الدولة العباسية حتى امتلكت القرار فيها، فجاء المغول في القرن السابع الهجري كنتيجة لتلك الفوضى والضعف الذي وصلت إليه دولة بني العباس . وعندما ارتفع شأن بني عثمان واتسع ملكهم في آسيا الصغرى، وزعموا أنهم أعادوا إحياء دولة الخلافة، لكنهم كانوا أشد الناس ظلماً للمسلمين وخصوصاً العرب الذين منعوا عنهم وسائل العلم وساهموا في تخلفهم بشكل كبير، ومن ثم سقطت دولة العثمانيين.
اليوم يأتي البغدادي ليقول، إنه سيعيد بناء دولة الخلافة، ويلقي بكل ما لحق بهذه الأمة من تخلف وضعف، على تفريط المسلمين بهذا الأمر . فأية خلافة تلك التي ستنجح في قلب موازين القوى الراهنة في العالم، وأية خلافة تلك التي ستعيد أمجاد المسلمين الضائعة . إن الخلافة ليست سوى أوهام وأحلام، والحالمون بها ليسوا سوى شرذمة من المضللين بفكر ظلامي لا يقوى على البقاء والاستمرار في ظل أنوار هذه الحضارة المعاصرة .