الإرهاب تتطاير شظاياه في كل من لبنان والعراق ومصر وسوريا، جماعات تكفيرية كثيرة تتستر خلف التفجيرات والاعمال الاجرامية أو تعلن مسؤولياتها عن قتل المدنيين ، وتتبجح بأوهام ورؤى وشعارات ترفضها كل الشرائع السماوية والقيم الاجتماعية والعقول البشرية،فماذا يعني ان يعلن احد النواب في لبنان ويدعى خالد الضاهر بأن “النبي محمد قدّ بشّر والده به حينما كانت أمّه حاملاً به” ، وماذا يعني أن يقدم أحد على تفجير نفسه في سوق شعبي وتجاري يستخدمه الأطفال وطلبة المدارس والنساء وتسكن على ضفافه الأسر، سوى أنه تعرّض لمسح دماغي حجب عنه الحقيقة وأعماه عن مصائر الناس المقتولين أو المجروحين أو المشردين؟ وماذا يعني أن تلجأ مجموعة من المقاتلين التكفيريين فتخطف مجموعة أخرى من غير دينها فتأمرها باتباع دينها وإلا سيكون مصيرها القتل أو الذبح؟
هذا لم يحدث بالطبع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يدّعي هؤلاء الكفرة بأنهم يتبعون سنته . كما ان القرآن الكريم لا يحرّض على مثل هذه الأفعال في كل آياته، بل إن القرآن الكريم ينهى عن تكفير من يوحد الله ويصلي له تبارك وتعالى، وكل أدبيات الدين تقول إن الفتنة أشد من القتل، فمن هؤلاء الذين يحاولون تسيّد المشهد في كثير من الدول العربية والإسلامية، ويطلقون شعارات لا تستند إلى أي أسس فالقتل المجاني والذبح على الهوية وتفجير المدنيين لا يمكن أن يكون له أي أسس، وإنما هي ترّهات تنبثق عن جهلة متطرفين أعماهم حب السيطرة على الناس والتآمر على حياتهم البسيطة وتدمير بيوتهم ومدارسهم، حتى إن دور العبادة في سوريا وغيرها من البلدان العربية لم تنج من إرهابهم وإن قدّموا اعتذارات جوفاء، فماذا ينفع الاعتذار بعد الهجوم على الكنائس والتعدي على الرموز الدينية؟
هي مشاهد قبيحة لا يقوم بها سوى معتوهين أو مرضى نفسياين أو مجرمين مأجورين، ذاك الذي يعلم أن ضحاياه سيكونون من الأطفال والنساء والمرضى ورغم ذلك يصر على ارتكاب حماقاته وممارسة أمراضه النفسية والعقلية .
جميع الزمر والجماعات والتنظيمات والألوية والمجموعات التكفيرية التي تدّعي أنها تلتزم الفكر الإسلامي وتسعى إلى إقامة دولة الخلافة وبناء الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، كلها تؤمن بفكر واحد، توجّهها وتمولها جهات واحدة، تسعى إلى خلق الفوضى في بلداننا العربية وإعادته إلى عصور الظلامية، وسياستها صارت واضحة وتنطلق من فكرة واحدة وهي: إن كل ما هو موجود على الأرض حالياً كافر وزنديق ونجس، ولا بد من إبادة الصغير والكبير، وحرق الأخضر واليابس، وتدمير دور العبادة لكل الديانات حتى يبنوا على أنقاضها دولتهم أو خلافتهم أو نظامهم الجديد، وهو نظام مقفل لا يمكن أن تكتب له الحياة، لأنه، ما من دولة قامت على اجساد الابرياء الا وكان مصيرها السقوط ولو طال الزمن .
إن الفكرة الأخرى الأشد إيلاماً وخيانة هي أن هؤلاء لا يكترثون لحقيقة أن هناك كياناً اسرائيليا اغتصب أرضاً عربية تحتضن مقدسات إسلامية ومسيحية، وقام بتشريد شعب عربي ومسلم، ودمّر بيوته وحرق أراضيه ويحاول أن يبيد شعبه، هؤلاء كما يبدو لا يعرفون ماذا تعني الصهيونية والاحتلال الاستيطاني ووجود دولة تطمح أن تكون حدودها من الفرات إلى النيل .
هؤلاء لم تهز مشاعرهم واجسادهم المجازر التي ارتكبتها “اسرائيل” منذ نشأتها كدولة عنصرية على أرض فلسطين منذ أكثر من خمسة وستين عاماً، رغم أن جماعة “الاخوان المسلمين وغيرها من الجماعات المتطرفة موجودة موجودة منذ عشرات السنين، ولم نسمعهم يوماً يتحدثون عن عدو تاريخي ومصيري يجثم على ارض فلسطين .
إن كان يدري خال الضاهر واتباعه بوجود دولة عدوانية احتلت فلسطين فتلك مصيبة، وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم، وفي كل الأحوال، ولكن يبقى العتب على العقول التي لم تبحث ولم تتعلم أو تعرف عدوها أو تقرأ التاريخ .
بالمحصلة واذا كان لا يمكننا التوجه بحديثنا الى مثل هؤلاء ومطالبتهم باتباع الحكمة، فلا حكمة تقنعهم، وهم منتشون الآن بأفكارهم التكفيرية وتفجيراتهم واغتيالاتهم ، ولكن يمكننا التوجه إلى وسائل الإعلام الداعمة، أن تكف عن احتضان هؤلاء، ووسائل الإعلام المحلية والعربية والاسلامية ، أن تكثف من برامجها للتصدي لهؤلاء القتلة الذين يتبرأ الدين منهم، فسلوكهم لا يمت بصلة لا لدين الاسلام الحنيف ولا لإيمان ولا لأي شريعة في الوجود، ولا يمكن أن نسميهم ظاهرة لأنهم ليسوا نتاج المجتمعات، هؤلاء تجار دم وأعضاء بشرية وآثار وسلاح، والآتي اعظم .
^