حين نشاهد السجال الذي انفجر بالامس بين وزيري الاشغال والنقل غازي العريضي والمال محمد الصفدي والذي حفل بجملة من الشتائم والاتهامات المتبادلة بسرقة الاموال والتحايل على الاملاك العامة وتعطيل المرافق الحكومية تنتابك حالة من “القشعريرة” والصدمة، وتردد في نفسك : الهذه الدرجة يمكن للفساد ان يتمدد حتى يطبق بذراعيه على رقاب المسؤولين ،الهذه الدرجة وصلت لدى من يفترض انهم المؤتمنين على المال العام وعلى مصالح الناس حالة “القابلية” لبيع ضمائرهم وتأجير منابرهم دفاعا عن مصالحهم الشخصية؟
ما كشفه العريضي من خلال مؤتمره الصحفي وما قابله من رد من العيار الثقيل على لسان الصفدي هو نموذج عن احتدام الأزمة بين أقطاب العملية السياسية في لبنان والعجز عن احتواء تداعياتها ،وهو نتاج صراع المصالح والاستحواذ على أكبر قدر من الفوائد التي يتم الحصول عليها من نظام المحاصصة، والتي تتم على حساب معاناة الشعب وآماله وتطلعاته، وفي الموضوع اللبناني عبرة لكل من يفكر بالأوطان على قاعدة نظام المحاصصة في كل شيء.
ولكن واستنادا الى فضائح العريضي – الصفدي وفي زمن أصبحت فيه السياسية مرادفاً للسجالات وللتراشق الكلامي، وفي وقت شهدت فيه انحداراً ملموساً، وفي هذا الجو العاصف لبنانياً، وفي ظلّ السياسة الغارقة في الفوضى والانقسام ،سرعان ما تعود الى المشهد الداخلي صورة دولة الرئيس عصام فارس اطال الله بعمره والذي شكل ظاهرة نادرة قلّ نظيرها في مجال السياسة ومن الصعب تكرارها في زمن تكريس المصالح الذاتية والشخصية والمحاصصات والصفقات .
فبالرغم من نجاح دولة الرئيس في مجال الاعمال، وفي عالم الاستثمار والتجارة الدولية ، وفي مجالات عديدة مثل الصناعة والخدمات والتجارة وقطاع الاتصالات الا انه آثر وقبل خوض غمار السياسة والتعاطي في الشأن العام اقفال جميع المؤسسات التجارية التابعة له في لبنان ومن بينها مصرف “ويدج بنك الذي عمل على رئاسة ادارته لفترات طويلة ،فكان نموذج المسؤول الذي اعطى الوطن وما أخذ منه ،والكبير بعطاءاته وإنجازاته، مشرعا أبواب التنمية في عكار ،ومصرّا على مد يد العون للجميع ولخير الجميع ، وما المعاهد والمراكز والقاعات التي حملت اسمه إلا خير دليل على إنجازاته المشهودة التي سيسجلها التاريخ لامثاله من الذين لم تضل طرقاتهم نحو بيع ضمائرهم ،ومن الذين يتجرأون اليوم ولوحدهم على الوقوف امام “مرآة” الحقيقة،فهل من يتعظ؟
**