إذا أردنا معرفة تطور مسار الأحداث خلال مرحلة من الزمن علينا أن نعود الى الماضي قبل سنوات كانت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة، تفاوض إيران على نسبة التخصيب خارج أرضها، اليوم يتم التخصيب على أرضها خارج سوق التفاوض، العالم اليوم يعترف بإيران دولة نووية وقوة إقليمية يحسب لها الحساب في الموازين الدولية، عاد الوفد الإيراني المفاوض من جنيف تاركاً خلفه دول (5+1) وقد دب الخلاف بين صفوفها، كانت في الماضي تفاوضه بمنطق القوة الواحدة، واليوم يتحول الواحد الى أجزاء مبعثرة متناقضة وكل منها يبحث عن ضالته! ما الذي حصل؟ بالتأكيد تغيرت موازين القوى في المنطقة وفي العالم أيضاً، ووصل فريق التفاوض الغربي الى طريق مسدود فيما بينه، وعلى مرأى ومسمع من الفريق الإيراني المفاوض، هذه أولى مؤشرات الإنتصار الإيراني.
قضايا التفاوض في المنطقة على طاولة المحادثات دولياً وأقليمياً من فلسطين الى سوريا وإيران وتداعيات أي حل ستنعكس على سائر أرجاء المنطقة بشكل عام، والجامع المشترك بين هذه القضايا هو عامل الزمن، وليس صدفة أن تتقاطع الملفات جميعها ضمن مساحة محدودة من الزمن، (المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية) والحرب الكونية التي تشن ضد سوريا والتي لم يشهد التاريخ مثيلها بسبب تورط بعض الأدوات المحلية والتوابع الى درجة الهبل بهذا الحدث؟!
العامل الوحيد الذي يفعل فعله هو دينامية التفاهم الروسية – الأميركية التي انخرطت لملقاة توجهات الرئيس الإيراني حسن روحاني من أجل مقاربة الملف النووي الإيراني، الفرصة أصبحت سانحة ومحور المقاومة يصمد ويقاوم وينتصر وأصبح كالجسد الواحد، بعد أن امتلكت إيران أوراق القوة في الصراع الدائر بفضل حكمة قيادتها وصدق تحالفاتها والإنجازات التي حققها محور المقاومة في أمتنا، وليس صحيحاً كما يدعي البعض بأن إيران تريد إعادة التموضع في المنظومة الإقليمية، سياسياً وإقتصادياً وأمنيا، لكنها في واقع الأمر تحصد ثمار سنوات من التراكمات والإنجازات التي حققتها الثورة الإيرانية ووصلت الى نقطة انعطاف هامة تعني قطف ثمار التضحيات والمواقف المبدئية كقوة إقليمية وعالمية وازنة تملك دوراً مهماً في تحديد مستقبل المنطقة بأسرها.
اليوم هنا فرصة تاريخية هامة، الإمبراطورية الأميركية في أسوأ حالتها من الضعف بسبب حروبها الخاسرة والأكلاف التي أثقلت عليها، وروسيا عادت الى المسرح الإقليمي والدولي بسبب صمود سوريا ومعها محور المقاومة، وإيران تمتلك أوراق مهمة، وحان الوقت للحصول على الإعتراف الدولي بنتائج النصر النووي الإيراني والدور الإقليمي، والهجوم الدبلوماسي الإيراني أعطى نتائجه مع تلهف الرئيس الأميركي أوباما للتفاهم مع إيران.
إيران تمتلك قدرات نووية هذا أصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها، ولكنها لم ولن تقدم أي تنازلات في هجومها الدبلوماسي الذي شنته وهي تتحول الى دولة كبرى في الإقليم، وهي بدأت خطوات هامة بعد أن تغيرت التوازنات في المنطقة والعالم.
في الحالة الراهنة الحلف المعادي وأدواته يعاني سكرات الموت وهو يستخدم آخر أوراقه ما يعني ضرورة اليقظة ورص الصفوف وعدم النوم على حرير المؤتمرات مثل جنيف 2 وغيره، وهي تبغي تحقيق أهداف لم تتمكن من بلوغها بالحرب، والمطلوب اليوم من كافة القوى الوطنية والقومية وجميع القوى المناهضة لقوى الإستكبار العالمي أن تبني استراتيجيتها الجديدة على ما أنجز وبنفس الوقت امتلاك الرؤية القوية لإعادة صهر قواها ومكوناتها في بوتقة واحدة لأن الصراع مازال طويلاً، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، والحكمة تقتضي استخدام كافة الإمكانيات المتاحة في معركة المصير ومن أجل تعزيز الإنتصارات التي تحققت، وأهمها فشل العدوان في تحقيق أهدافه.
بقي أن نقول، والمطلوب أيضاً من كافة القوى الآنفة الذكر، أن تراقب وبدقة ما يجري على مسار المفاوضات “الإسرائيلية – الفلسطينية” حيث الضغوط الأميركية على الجانب الفلسطيني لإجباره على تقديم التنازلات الكبرى والهجمة الشرسة ضد سوريا لإضعافها وتركها رهينة النزف الدائم، ويحاول الأعداء اليوم فصل المسارات عن بعضها البعض بعد أن أصبحت رزمة واحدة بحجة تجزئة القضايا وحلها على مراحل!…. والسؤال ما العمل في هذه الحالة؟