نقول “المفاوضات” تجاوزاً، لأن تجربة عقدين من الزمن أثبتت أن لا جدوى لصالح الفلسطينيين من تلك “المفاوضات”، فالهدف الأميركي – الإسرائيلي من تلك المسرحية هو استدراج الحركة الوطنية الفلسطينية وتجويفها بعد أن حولت أجزاء منها الى نوع من سلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة مع إلحاق اقتصادي إجباري بعد أن تحرر الإحتلال من أعباء كانت ملقاة على عاتقه.
نحن أمام تسوية يحرص الكيان الصهيوني على صياغتها بنفس طويل وبحيث يتقلص كل شيء بالنسبة الى الفلسطينيين، المبنى والمعنى، الزمان والمكان، الأرض والسيادة، الحقوق والهوية، وكل هذه الأشياء تجري في نطاق المفاوضات، وبحيث يبدو الشعب الفلسطيني وكأنه يشارك في تقرير مصيره، وهذه هي الوظيفة الإسرائيلية للسلطة وللعملية التفاوضية برمتها.
لا شيء يفيد بأن المفاوضات ستكون أفضل من سابقاتها، لأن المحتل الصهيوني يراهن على عامل الزمن، وعلى انتزاع مزيد من التنازلات، وإذا تعذر ذلك سيتم الأمر عبر فرض سياسات آحادية أو وقائع، بالإستيطان والجدار الفاصل، وبنمط العلاقات الأمنية والإقتصادية.
منذ ما قبل أوسلو 1993 وما بعده، كان النهج الذي اتبعه العدو الصهيوني وحكوماته المتلاحقة هو تسويق الحكم الذاتي على السكان، من دون الأرض والأجواء والمياه، لكن التغيير الوحيد الذي فرضته التطورات الدولية يتمثل بتسمية الحكم الذاتي بدولة، بعد أن لم يعد مهمأ للعدو تسمية “دولة” فلسطينية طالما “إسرائيل” من يفرض الإملاءات.
لا توجد نهاية للمطالب الإسرائيلية، يتوقف الأمن على وقف المقاومة في الضفة الغربية وغزة وعلى أمن حدود الكيان من مختلف الجهات، وإنما بات يمتد الى إيران وأصبح نتنياهو يراهن أي تقدم في التسوية مع الفلسطينيين على كل ما يرافقها من مشكلات وعوائق بوضع حد للبرنامج النووي الإيراني، وهذا ما ركز عليه في مباحثاته مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
وإذا كان هذا هو واقع الحال فلماذا تستمر المفاوضات؟
بإختصار، الإدارة الأميركية لن تترك المفاوضات تنهار بعد أن استثمرت فيها كثيراً، لاسيما في ظل حاجتها الماسة الى إنجاز يعوض خساراتها خصوصاً في سوريا ومصر، وقبلها في العراق وأفغانستان وغيرها… وما يشجع إدارة أوباما للإستمرار في تلك اللعبة، هو الطرف الفلسطيني الذي هو في أسوأ أحواله، في ظل الضعف والإنقسام وعدم إجراء أي مراجعة حقيقية لتجربة عقدين من التفاوض، وللأسف أيضاً، إن بعض الدول العربية في حالتها الراهنة ستعتبر أي محاولة أميركية لفرض حل على الطرفين إنجازاً والحديث يطول عن هذا الحل!
والسؤال، ما هو موقف روسيا في هذه الحالة؟ وفي ضوء ما يجري في عالمنا العربي من أحداث وأزمات حادة وبفعل الحرب القذرة التي تشن ضد سوريا العروبة، وهنا نعود الى الفترة التي سبقت استئناف المفاوضات في تموز الماضي ورهانات البعض على عقد مؤتمر جنيف -2 في تلك الفترة؟! وهنا نقول، إن مصالح الأطراف المؤثرة على القرار الدولي هي مَن دفعت لإستئناف المفاوضات ووفق شروط مختلفة لصالح “إسرائيل” وكان وفد الجامعة العربية قد وافق على استئناف المفاوض قبل الجانب الفلسطيني نفسه.
اليوم ترى إدارة الرئيس الأميركي أوباما ووزير خارجيته كيري، أن الوقت مناسب جداً لفرض تسوية تحقق أغلب المطالب الإسرائيلية، وهذه الإدارة تدرك أهمية إنتهاز اللحظة الراهنة وفرض حل على السلطة الفلسطينية، وقدرة واشنطن على إقناع موسكو واردة طالما هناك موافقة فلسطينية وطالما الحل يناسب “إسرائيل”.
وهناك من يقول، هذا ليس مستحيلاً بعد صفقة الكيميائي السوري والإتفاق على عقد جنيف – 2، وإذا ما بدأت مفاوضات جدية بين إيران وأميركا وبقية الأطراف الدولية، سوريا العروبة تنتصر في معركتها وتفشل الحرب ضدها وتستمر في محاربة الإرهاب، وإيران دولة قوية ظلت وفية وتترجم أقوالها الى أفعال فهي سند وعمق المقاومة في أمتنا، أما فلسطين الجريحة خانها عرب أميركا عندنا أذعنوا وسلموا كل أوراقهم لحليفهم الأميركي – المتصهين، والسؤال برسم الزعماء “العرب” الذين فرطوا بفلسطين وحاربوا سوريا!
والسؤال، هل نحن أمام قانون الأواني المستطرفة في هذه الحالة؟! ما يمكن قوله إن الصراع ما زال طويلاً حتى يأخذ صاحب الحق حقه…