بعد مساومات اللحظة الأخيرة التي أسفرت عن تعهدات أميركية شفوية وبعضها مكتوب، بكل تأكيد، إن عودة السلطة الفلسطينية الى لعبة التفاوض هي استجابة واضحة للضغط الأميركي وهي استمرار لنهج التفاوض الذي أملته الظروف السابقة، غطاء هذه المفاوضات هو “رسمي – عربي” يسير ضمن الركب الأميركي والأوروبي، هذا التفاوض يأتي خارج إطار الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة وسيطلق يد الاحتلال ومستوطنيه، وكان الأجدى، أن يتم انضمام فلسطين الى المنظمات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية واتفاقيات جنيف، من دون إخضاع الحقوق الفلسطينية التي يكفلها القانون الدولي لأي مساومات ومراهنات عقيمة ثبت فشلها مراراً وتكراراً، ومن ثم البدء بترتيب البيت الفلسطيني من خلال تقييم المرحلة السابقة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة.
هذه المفاوضات هي “لعبة” محكوم عليها بالفشل لأن مقومات نجاحها غير متوفرة، وهناك تفرّد أميركي في إدارتها وأميركا منحازة بالكامل لصالح العدو الصهيوني، وهذا يعني، أن الضغط سيوجه للجانب الفلسطيني لتقديم تنازلات مجانية وسيتم تحميله نتائج فشل تلك المفاوضات، وليس مستبعداً أن يعود الإسرائيلي ومن يدعمه الى سيناريو ما جرى للرئيس ياسر عرفات عندما حاول العدو الضغط عليه في كامب ديفيد 2000 ورفض كل الضغوط، عندها تم تحميله مسؤولية الفشل ومحاصرته وصولاً الى تصفيته.
والسؤال، ماذا سيفعل المفاوض الفلسطيني، عند الجلوس الى طاولة المفاوضات وخاصة عندما يفاجأ باستفحال الاستيطان في القدس والخليل وغيرها.
وكذلك، فإن الذهاب الى التفاوض ونحن في مرحلة صراع والمنطقة برمتها تغلي، يضع إشارات استفهام كبيرة، المرحلة ليس مرحلة الحل في هذه الظروف.
وكان الأفضل أن يتم الالتفاف الى الشعب الفلسطيني وسماع صوته وتشكيل قيادة فلسطينية موحدة، وليس البحث عن المستحيل من عدو غادر مدعوم سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً من أميركا صاحبة أكبر مشروع استعماري في منطقتنا، ولنتذكر بأن أوسلو فشلت وتمّ تجريبها 20 عاماً وكانت عديمة الجدوى، فلماذا الركض وراء وهم المفاوضات، نحن في حاجة الى نهج جديد لم يجرّب، ولبناء جسور بين بعضنا البعض للعودة الى الوحدة الوطنية الحقيقية لأنها الضمانة في مواجهة أي ضغوط مهما كانت.
العدو يحاول الاستفادة من الأزمة العاصفة التي تلف منطقتنا العربية وهو يشعر بالقلق بعد أن بدأت الأوضاع تتجه الى غير ما يشتهي في سوريا ومصر بشكل خاص، والكيان الصهيوني يواجهه حملة لمقاطعته من قبل دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتلمس تداعيات ما يجري في المنطقة، وهي مقدمة تسونامي الضغط المتعدد الأطراف والمخاوف من انفجار البركان الشعبي الفلسطيني، وهذا ليس هناك ما يوقفه إلا المفاوضات.
إن خطة وزير الخارجية الأميركية جون كيري في جوهرها تعني إجبار الجانب الفلسطيني لتقديم تنازلات جديدة، والذي سيكلّف بإدارة ملف المفاوضات مع كيري هو مارتن أنديك الذي كان رئيساً لمعهد الشرق الأدنى الموالي لـ “إسرائيل” وخلفيته الصهيونية معروفة.
المعركة اليوم هي أن نكون أو لا نكون، وليست مرحلة مفاوضات، وعلينا ألا ننسى موازين القوى في هذه المرحلة، وهذا يعني أن الدخول في مفاوضات هو بمثابة دخول حقل ألغام وأفخاخ منصوبة في كل مكان، وأولى الخسائر المؤكدة، ربط مرجعيته التفاوض المفترضة لدى السلطة الفلسطينة حدود عام 1967 مع تبادل أراض متفق عليها، هذا يعني أن العدو سيختار ما يناسبه حتى يوافق على المبدأ الجديد وهذا لن يقبله الشعب الفلسطيني، لذلك سيستمر الصراع حتى تحقيق الأهداف الوطنية – الفلسطينية في التحرير والعودة.
محمود صالح